يوسف المحيميد
كثيرًا ما يقلقني حالنا المتوقع في وقت الأزمات، كالحروب والكوارث الطبيعية -لا سمح الله- التي تجعل الوافدين من الجنسيات المختلفة يغادروننا من غير استئذان، لنجد أنفسنا في العراء، ولا نملك إدارة أنفسنا وقطاعاتنا المختلفة، وبالذات القطاعات المهمة جدًا، كالقطاع الصحي، وذلك من خلال تحقيق الأمن الطبي، بتوفير الأدوية الضرورية، أو تأمين الطبيبات والممرضات، وهي مسألة مهمة وحساسة، ولو اقتصرنا في حديثنا هنا على مهنة التمريض، فيكفي أن نعلم أن نسبة الممرضات السعوديات لا تتجاوز 25 بالمائة من ممرضات القطاع الحكومي، بمعنى أن خروج ثلاثة أرباع الممرضات من البلد سيصيب مستشفياتنا بالشلل التام!
وربما يزداد الأمر سوءًا إذا علمنا بأن هؤلاء الممرضات السعوديات لا يعملن في أقسام الطوارئ، وإنما في العيادات الخارجية والتنويم، بمعنى أنهن لن ينقذن الوطن في حالات الأزمات، وهن - بالمناسبة - لا يعملن في أقسام الطوارئ لأسباب تتعلق بعدم مراعاة ظروفهن، أو تعويضهن بشكل ملائم عن العمل في مثل هذا القسم، وكذلك يزداد الأمر سوءًا إذا علمنا بأن نسبة التسرب من عمل التمريض تصل نحو 50 بالمائة، والبقية الباقية منهن إما يعانين من العنوسة، أو حياة زوجية مهددة بالطلاق، نظرًا لظروف عملهن الخاص!
ولن أناقش ما يتعرضن له من استغلال أو تحرش أو إهانات، سواء من قبل المرضى أو الأطباء أو الإداريين، لأن ذلك يحتاج إلى مقال كامل وشرح يطول، وإنما سأتخيل معكم متى بدأ تدريس التمريض في السعودية، هل هو مع مطلع الألفية؟ بالطبع لا، إذن هل له علاقة ببدايات تعليم البنات قبل أكثر من نصف قرن؟ للأسف نعم، وهذا هو المثير، فمن خلال وثيقة منشورة يستأذن فيها وزير الصحة سماحة المفتي بالموافقة على إنشاء فصول خاصة لتدريس الممرضات السعوديات، على أن تكون هذه المدارس جزءًا من مدارس البنات بإشراف سماحته، وهذه الوثيقة منشورة في شعبان 1380 من الهجرة، أي قبل أكثر من نصف قرن، ومع ذلك ما زلنا نراوح مكاننا، نحاول أن نحقق توطين وظائف هذا القطاع المهم، ولكننا نفشل لأننا لا نوجد الفضاء وبيئة العمل المناسبة لبناتنا، فلأكثر من خمسين عامًا لم نستطع توفير الممرضات السعوديات اللاتي يقدن الوطن في هذا الحقل المهني النبيل!