إبراهيم عبدالله العمار
هل سمعت عن «قصة الحضارة»؟ إنه عمل تاريخي ضخم للمؤرخ ويل دورانت، دوّن فيه التاريخ الغربي في 10 آلاف صفحة، وهذه المجلدات لا يقرأها عادة إلا المؤرخون، فلخّصه المؤلف في كتيب اسمه «دروس التاريخ»، وهو مليء بالعِبَر التي يدهشك اتساقها وتكرارها، من ذلك حقيقة لا مفر منها: الحياة منافَسَة.
ماذا يعني ذلك؟ كون الحياة منافسة يعني أنها سِلمية إذا توفر الطعام ووحشية إذا شحّ. نعم، هناك تعاون بين الناس، خاصة إذا كبر الإنسان ونضج وعاشر الناس، لكن السبب هو أن التعاون من وسائل المنافسة، فنحن نتعاون مع الأقارب والأصدقاء والطوائف إلخ لكي تَقوى مجموعتنا لمجاراة الطوائف الأخرى.
الحرب أهم وأبرز طرق السباق هذا، فهي تدعو لتعاون جميع الناس مع بعضهم لمنافسة شعب آخر.
حقيقة أخرى من التاريخ هي نظرتنا عن المساواة والحرية. إن الواقع يضحك على سذاجتنا معشر البشر عندما نقرن بين المساواة والحرية في أحلامنا عن المدينة الفاضلة.
هذان الاثنان عدوان ما بقيا، إذا برز أحدهما ولّى الآخر مُدبِراً. أعط البشر الحرية وستتضاعف لامساواتهم بشكلٍ عظيم كما حصل في بريطانيا في القرن التاسع عشر تحت قوانين السوق الحرة، وكما يحصل في أمريكا اليوم من لامساواة هائلة بين الأثرياء والبقية.
يستشفّ دورانت من تأمله دروس التاريخ أنه لإيقاف اللامساواة فيجب التضحية بالحرية كما حصل في روسيا بعد 1917م، وحتى عندما تُقهَر اللامساواة بالقوة فإنها تنمو. فقط الناس الأقل مالاً يرغبون في المساواة، أما الواثقون بقدراتهم ومواهبهم ويملكون المؤهلات فسينشدون الحرية وليس المساواة، لأنهم سيفوزون في مثل هذا العالم.
التكاثر قوة، والحياة تفضل المتكاثرين، والأمم التي تزيد أعدادها تزيد قوتها، لكن يوجد حد طبعاً، فالحياة لديها 3 وسائل لتحدَّ من كون التكاثر شيئاً يُفني الموارد والغذاء: الحرب، والمرض، والمجاعة.
إن الشخصيات واللغات والحضارات اليوم تختلف تماماً عن التي سادت قبل 5000 سنة، لكن لو نظرت للصورة الكبيرة لرأيتنا اليوم نفس أسلافنا، وسنن الكون لا تتغير أبداً، والتاريخ سيعيد نفسه دائماً.