فضل بن سعد البوعينين
تستوجب المتغيرات الاقتصادية والسياسة العالمية تغيرا في تعاطي المملكة مع دول العالم ذات العمق الدولي وفق رؤية إستراتيجية قادرة على تحقيق المصالح المشتركة.
توثيق العلاقة التجارية والاستثمارية والصناعية والتقنية مع دول الشرق من أهم الخطوات الداعمة لتحقيق أهداف المملكة المستقبلية ذات العلاقة بالإصلاحات الاقتصادية.
تكتسب زيارات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لدول الشرق أهمية بالغة على المستوى السياسي؛ الديني؛ والاقتصادي.
فتنويع العلاقات السياسية وتوثيقها مع دول الشرق الفاعلة ومنها الصين واليابان من أولويات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي أعاد ترتيب علاقات المملكة السياسية على قاعدة من الشراكات الاقتصادية الوثيقة الداعمة للاستدامة؛ بالإضافة إلى تعزيز العلاقات مع دول الشرق المسلمة وفي مقدمها إندونيسيا وماليزيا.
شكلت صادرات النفط السعودية تاريخيا؛ المحرك الرئيس للعلاقات الاقتصادية؛ حيث استمرت على ذلك النهج دون تطوير أو زيادة في عمقها الإستراتيجي؛ ما قلص حجم استفادة الاقتصاد الوطني منها.
وبعد أن كان النفط قادرا على تسويق نفسه لأسباب مرتبطة بحجم المعروض النفطي مقارنة بالطلب العالمي؛ بات أمر تسويقه مهمة شاقة للدول المنتجة التي تسببت في زيادة الإنتاج بشكل أضر بأسعاره وحد من قدرتها على التأثير.
كشفت زيارة الملك سلمان لماليزيا البعد الإستراتيجي في الاتفاقيات الاقتصادية الموقعة بين البلدين؛ وبما يزيد من عمق الشراكة في القطاع النفطي وتحقيق الاستفادة القصوى منه.
توقيع اتفاقية شراكة بين «بتروناس» و «أرامكو السعودية» لإنشاء مصفاة تكرير النفط وإنتاج البتروكيماويات يمكن أن يحقق ثلاثة أهداف رئيسة؛ الأول توثيق العلاقات السياسية والاقتصادية مع ماليزيا؛ أحد أهم الدول الرائدة في التحول الاقتصادي.
والثاني إعطاء أرامكو السعودية ميزة تنافسية من خلال الإنتاج بالقرب من الأسواق الأكثر أهمية بالنسبة لها؛ والثالث تأمين مشترين دائمين لجزء من إنتاجها النفطي، حيث تنص الاتفاقية على أن تكون أرامكو السعودية مصدرا لتوريد النفط للمصفاة.
قد يكون هناك استنساخاً لاتفاقية أرامكو السعودية وبتروناس الماليزية خلال زيارة الملك سلمان للصين. تشير بعض التوقعات إلى إمكانية دخول أرامكو السعودية بشراكة نوعية لإنشاء مصفاة تكرير جديدة في الصين؛ وهو إن حدث؛ فسيعزز من تواجد أرامكو في أهم أسواق الشرق وأكثرها استهلاكا للنفط؛ ويعطي المملكة بعدا لتوثيق علاقاتها النفطية الإستراتيجية مع أكبر عملائها في العالم.
ربما كان «ملف النفط» الأكثر حضورا في المباحثات السعودية اليابانية؛ حيث تشكل واردات النفط السعودية ما نسبته 35 في المائة من مجمل الواردات اليابانية؛ غير أن ملف المنشآت الصغيرة والمتوسطة والثورة الصناعية الرابعة؛ والرؤية السعودية اليابانية المشتركة 2030 ستكون حاضرة وبقوة في الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي سيتم توقيعها.
تعزيز الاستثمارات المشتركة أمر غاية في الأهمية؛ حيث يشكل صندوق «رؤية سوفت بنك» انطلاقة جديدة لها. تعزيز الاستثمارات التقنية مع اليابان سينعكس إيجابا على نقل التقنية وتوطينها في السعودية.
تجربة اليابان الرائدة في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة يمكن الاستفادة منها محليا؛ والاعتماد عليها كقاعدة لتطوير القطاع على أسس منهجية وعملية واضحة. أكثر من 3.8 مليون شركة صغيرة ومتوسطة، تعمل في السوق اليابانية؛ حيث تشكل ما نسبته 99.7 % من مجمل الشركات اليابانية، وتسهم في توظيف نحو 70 % من القوى العاملة.
تجربة غنية يمكن للسعودية الاستفادة منها شريطة الاعتماد على المنظومة اليابانية القادرة على إعادة استنساخ التجربة محليا وفق رؤيتها الخاصة.
عودا على بدء؛ فرفع مستوى الشراكة الاقتصادية مع الشرق سيدعم بشكل كبير العلاقات السياسية التي أصبحت أكثر تأثرا بالشؤون الاقتصادية؛ وبالتالي تنسيق الجهود الدولية لإعادة الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط وبما يدعم الجهود الدولية الرامية إلى تعزيز النمو العالمي والحؤول دون حدوث مزيد من الأزمات الاقتصادية المدمرة.