د. أحمد الفراج
أثناء التحالف الأوبا-إخواني، أو ما اصطلح على تسميته بالثورات العربية، لتمكين التنظيم الدولي للإخوان المسلمين من حكم العالم العربي، وهو التثوير الذي تم بمباركة غربية، ودعم لوجستي وإعلامي من دولة عربية، استخدم المعلّقون مصطلح "الدولة العميقة"، في إشارة إلى القوى غير الظاهرة، التي تتحكم في أي بلد، وظن كثيرون أن هذا المصطلح حكر على دول العالم الثالث، وأنه لا يمكن أن يكون هناك دولة عميقة في بلد متقدم، وهذا ما لمسته من خلال ردود بعض القراء الكرام على مقالاتي، والتي استخدمت فيها مصطلح "الدولة العميقة"، أثناء كتابتي عن الشأن السياسي الأمريكي.
كتبت كثيراً عن الحملة الكبرى، التي يشنها الإعلام الأمريكي على الرئيس ترمب، وهي حملة غير مسبوقة، سواء في كثافتها وعنفها، أو في الحرص على تقصي كل صغيرة وكبيرة، وتشعر أحياناً أن هناك شركات متخصصة، تزوّد وسائل الإعلام، وأبرز المعلقين، بكل تسريب، مهما كان سخيفاً، ومهما كان مصدره غامضاً، وهذا لا يعني أن الرئيس ترمب وإدارته أبرياء، فقد ساهم ترمب في حملة التصعيد الإعلامي ضده، إذ أعلن التحدي، وبدأ يتجاوب مع استفزاز الإعلام، ولا ننسى تغريداته من حسابه الشخصي على تويتر، والتي أصبحت، في كثير من الوجوه، بديلاً لفريقه الإعلامي المتخصص، وآخر مثال على ذلك كانت تغريداته، التي زعم من خلالها أن سلفه، الرئيس أوباما، كان يتجسس عليه، وهو الادعاء الذي أحرج المتحدث الرسمي للبيت الأبيض، وأركان إدارة ترمب، وكبار أعضاء الحزب الجمهوري.
وبسبب هذه الحملة، التي يشنها اليسار والإعلام المساند له، فقد شعر الإعلام المحافظ أن واجبه يقتضي نصرة الرئيس ترمب، وهو الدور الذي تقوم به قناة فوكس اليمينية، ويساندها بعض البرامج المحافظة في التلفزيون والراديو، وبعض الصحف اليمينية، المساندة تاريخياً للجمهوريين، وكان اللافت أن هذا الإعلام المحافظ بدأ يستخدم مصطلح "الدولة العميقة (Deep State)، في إشارة إلى خصوم ترمب، أي المؤسسة الرسمية الحاكمة، الحاضن الرئيس لمعظم الساسة الأمريكيين، وعندما يتحدثون، ونتحدث عن الدولة العميقة فالمقصود هو لوبيات المصالح، والشركات الكبرى، ولا جدال في أن استخدام هذا المصطلح في أمريكا، وهو ذات المصطلح، الذي استخدم أثناء الثورات العربية، خصوصاً في مصر، يشير بكل وضوح إلى حجم الأزمة، التي تمر بها الأمة الأمريكية، بعد فوز الرئيس ترمب بالرئاسة، رغماً عن الجميع، بما في ذلك الحزب الجمهوري ذاته، الذي لم يكن يرغب في ترشيح ترمب، ولكن الأخير أجبره على ذلك، تحت ضغط الجماهير، التي كانت تشعر أن الساسة التقليديين في واشنطن تخلوا عنهم، وأن ترمب هو الفارس المنقذ، الذي سيكون نصيراً لهم، ويساهم في تحسين أحوالهم الاقتصادية، وطالما وصل الأمر درجة شعور أنصار ترمب بأن هناك دولة عميقة، تسعى لإسقاطه، فإنه يحق للمتابع أن يدعي بأن فوز ترمب كان عبارة عن ثورة شعبية، وهذا أمر يحتاج إلى التوسع في الحديث عنه!