عماد المديفر
ضمن إطار رؤية المملكة 2030 ومحاورها الثلاثة الرئيسة المتمثلة في هويتنا الفريدة ذات العمق العربي والإسلامي الأصيل كون هذا الوطن منبع الرسالة، ومهبط الوحي، ومنطلق العرب ديناً وعبادة ولغة وتاريخاً وإرثاً وحضارة ضاربة في أعماق التاريخ البشري، وبما نتمتع به من قوة استثمارية هائلة، وما يحظى به موقعنا الجغرافي الاستراتيجي بوصفنا بوابة العالم.. خاصة مع المشاريع الجبارة المعنية بربط مناطق المملكة وموانئها في الشرق والغرب والشمال بسكك الحديد وشبكة من القطارات السريعة، ومشروع ربط دول مجلس التعاون ببعضها البعض.. وما حبى الله به هذه الأرض المباركة من خيرات وثروات معدنية وبترولية، وبما تتميز به المملكة من بيئة استثمارية وصناعية واعدة، ما يجعلها مركزاً من المراكز الكبرى في حركة ومرور التجارة العالمية.. ضمن هذه الأبعاد الثلاثة، والرؤية المستقبلية الواعدة، وخطة التحول الوطني؛ تستمر جولة مولاي خادم الحرمين الشريفين التاريخية الكبرى لدول شقيقة وصديقة في أقاصي شرق وجنوب شرق آسيا، لها أهميتها الكبيرة إقليمياً ودولياً، وثقل اقتصادي وصناعي وسياسي، وقبل ذلك كله، ما تربطنا بها من روابط وشيجة تاريخية واقتصادية وثقافية وحضارية ودينية ومصالح استراتيجية مشتركة، ولتتضمن ماليزيا وإندونيسيا وسلطنة بروناي وإمبراطورية اليابان وجمهورية الصين الشعبية، والمالديف.
فهذه الجولة الملكية المباركة تأتي لتدعيم المحاور الثلاثة التي لُبّها الاقتصاد.. فالاقتصاد في الواقع هو المحرك الأساس للسياسة.. إنه جوهر العمل السياسي، إذ التحالفات السياسية والعسكرية القوية والمتينة هي تلك التي تبنى على مصالح اقتصادية وحيوية مشتركة قوية ومستدامة، وهو ما يعني ترابطاً وتشابكاً في المصالح والمنافع للدرجة التي يسعى فيها كل طرف لتحقيق مصلحة الطرف الشريك، لأن في تحقيقها والحفاظ عليها استمرار لتحقيق مصالحه ومنافعه هو بالدرجة الأولى.. وهو ما سبق وذكرته في أكثر من مناسبة.
هذا إذا كانت المصالح المشتركة اقتصادية فقط، فما بالنا بالمصالح المشتركة الراسخة المبنية على أساس من العقيدة والتاريخ والحضارة والإرث الثقافي المشترك والمتبادل؟.. وهو ما يعطي للعلاقة عمقاً آخر فريداً، لا يضعف ولا يتزحزح، كما هو في الواقع علاقتنا باندونيسيا وماليزيا وبروناي والصين والمالديف.
فإندونيسيا مثلاً تمثل أكبر تواجد للمسلمين في العالم، ورابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهي أكبر اقتصاد في رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان»، ومن أكبر اقتصادات العالم، إذ تحتل المرتبة 16 في سلم دول مجموعة العشرين الكبار، وبالتالي فتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع هذه الدولة الشقيقة الواعدة هو بلا شك مصلحة استراتيجية كبرى لكلا البلدين الشقيقين.
فالمملكة تُعد أكبر مورّد للطاقة في اندونيسيا، وأكبر شريك اقتصادي لها في العالم العربي والشرق والأوسط، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 4.1 مليار دولار في عام 2016م فقط.. مع العلم بأن هذا التبادل التجاري كان قد تأثر كثيراً بسبب انخفاض أسعار النفط، إذ هو أقل مما كان عليه بواقع 53% عما كان عليه في عام 2014م على سبيل المثال.
وإذا ما تحدثنا عن فرص الاستثمار الواعدة بين البلدين الشقيقين؛ فسنجد أن إندونيسيا حريصة جداً على جذب الاستثمارات السعودية، وفتح سوقها، والذي يعد واحداً من أكبر الأسواق المحلية في العالم، ومع ذلك تبقى الاستثمارات السعودية في السوق الاندونيسية في الواقع أقل كثيراً مما يجب أن تكون عليه، وهو ما لا يعكس طبيعة ومتانة العلاقات بين البلدين الشقيقين، إذ بلغ حجم الاستثمارات السعودية في اندونيسيا العام الماضي 900 ألف دولار فقط، فيما بلغ حجم استثماراتنا في الفترة ما بين 2010-2015م 34 مليون دولار، وهو ما يشكل 0.02 % من الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الإندونيسي.. وهذه النسبة في الحقيقة تكاد لا تذكر في سوق محلية يعد من أكبر الأسواق المحلية العالمية، وواحد من اكبر الاقتصادات الواعدة.. ولكن ومع هذه الزيارة الملكية الميمونة ارتفع حجم الاستثمارات السعودية إلى أكثر من أربعة مليارات ريال سعودي، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم عشرات الأضعاف بمشيئة الله تعالى من خلال الاتفاقيات المبرمة، ودخول القطاع السعودي الخاص بقوة نحو الأسواق الإندونيسية الشقيقة، لا سيما وأن الاقتصاد الإندونيسي -كما أسلفت- يتقدم بخطى واثقة، وينظر إليه علماء الاقتصاد بأنه واحد من أهم الاقتصادات العالمية الكبرى الواعدة، والتي تنمو على قاعدة صلبة لتصبح مركزاً صناعياً أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، خاصة مع النمو السريع للسوق المحلية، وتصاعد واتساع حجم الطبقة المتوسطة في إندونيسيا.
إلى اللقاء.