م. خالد إبراهيم الحجي
الإبداع هو الإتيان بشيء لا نظير له أو إعادة تقديم القديم بصورة جديدة أو غريبة، وفيه جودة وإتقان. والإبداع في المجتمعات بشكل عام يحتاج إلى بيئات خصبة واستحداثها يتطلب إيجاد التوازن بين الأفكار التقليدية القديمة والأفكار التقدمية الحديثة في المجتمعات المختلفة حتى لا يطغى بعضها على بعض للجمع بين الأصالة والمعاصرة، وتحقيق التوازن المنشود في المجتمعات يتطلب تحرير الاتجاه الفكري العام من الفكر التقليدي الخامل، مع الاهتمام بالتجديد والبحث والتطوير وتهيئة المناخ المناسب لنمو الاكتشافات العلمية، وترعرع الإبداعات والابتكارات التكنولوجية التي تعتبر العمود الفقري لتقدم المجتمعات وتحضرها، كما تعتبر من الخصائص البارزة والواضحة في المجتمعات المتقدمة وتقل أو تكاد تنعدم في المجتمعات الاستهلاكية الخاملة نتيجة عدة معوقات أبرزها التالي: (1): المعتقدات الخرافية التي ترتبط بالشعوب البدائية مثل: المبالغة في تأثير الحسد والجن والسحر على الإنسان فتُسبب القلق والوسواس القهرى، فتنتفخ الخرافات وتتضخم في خيال المجتمع على حساب الحقائق العلمية. (2): الغلو الذي يرتبط بالمبالغة وتحميل النفس فوق طاقتها والتعصب الشديد وتجاوز الحد والإفراط فيما لا ينفع المجتمع أو يفيده؛ ويقع البعض في الغلو دون علم نتيجة التربية ومؤثرات البيئة التى نشأ فيها؛ لأنه يقتل الإبداع والابتكار وهو ضد القصد والاعتدال اللازمين لتهيئة المناخ المناسب لنمو الاكتشافات العلمية، وترعرع الإبداعات والابتكارات التكنولوجية. (3): الانقسامات المذهبية والصراعات الطائفية والتعصب والكراهية إلى حد الإقصاء والعنصرية التي تنهك قوة المجتمع وتضعف اقتصاده فتبعده عن الإبداع والابتكار. (4): العداء والكراهية لغير المسلمين مع الاعتراف في أنفسنا بكفاءتهم وتقدمهم علينا.. وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: مَنِ المسؤول عن تخليص المجتمع من المعوقات السابقة لتأسيس البيئة العلمية الحديثة المساعدة على تنمية ملكة الإبداع والابتكار بين أفراد المجتمع؟ والجواب هم: (أ): أصحاب الفكر والرأي والكلمة المسموعة لأنهم القادرون على الـتأثير على الشرائح المختلفة في المجتمع، وبث روح الإلهام العلمي فيه. (ب): كوادر التعليم الجامعي والدراسات العليا تحت رعاية المسؤولين في الدولة؛ لأنهم القادرون على إيجاد التنافس الشريف والتحدى البناء الذي يدفع أفراد المجتمع إلى بذل أقصى درجاتالاجتهاد لتحقيق الإبداع والاكتشاف والابتكار، وبدون وجود التنافس الشريف والتحدي البناء لن ينطلق الفكر من عقاله نحو الإبداع لخدمة المجتمع، والأمثلة على صحة الكلام السابق كثيرة كما حدث في عام 1960م عندما أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق جون كنيدي عن نية إنزال رجل على سطح القمر وإعادته سالماً إلى الأرض خلال عقد من الزمان؛ ففتح أبواب الإبداع في جميع المجالات المختلفة على مصراعيها؛ مجالات: هندسة الطيران والفضاء، والهندسة الميكانيكية والكهربائية والإلكترونية والاتصالات والأجهزة الطبية، وغيرها من التطبيقات العلمية والابتكارات التي أنجبها مشروع إنزال رجل على القمر في عام 1969م. والإبداع والابتكار داخل المجتمعات الاستهلاكية الخاملة لايمكن تحقيقه بين عشية وضحاها وإنما يتطلب التخلص من المعوقات السابقة لتحقيق الخطوات التالية:
الأولى: تطوير الاتجاه العام والبعد عن الفكر التقليدي السائد الذي يقاوم التغيير ويعوق متطلبات المجتمع ولا يواكب مستجدات العصر الحديث؛ لأن مقاومة التغيير أسلوب تتمسك به المجتمعات الاستهلاكية الخاملة التي تقنع بحد الكفاية لتصريف شؤون الحياة اليومية بحجة أن نمط الحياة الروتينية الراهن نِعمٌ كثيرة ورفاهية عالية تفتقر إليها كثير من المجتمعات الأخرى فمن واجبنا المحافظة عليها.
الثانية: تهيئة المناخ المناسب والتأسيس لبيئة علمية حديثة تساعد على الاكتشاف والإبداع والابتكار بفتح أبواب التعاون مع المجتمعات غير المسلمة في مجالات البحث العلمي والتطوير لأن جزءاً كبيراً من الإبداعات والابتكارات يعتمد على المساهمات والمشاركات العلمية التي يقدمها غير المسمين.
الثالثة: تطوير التعليم من أسلوب الحفظ والتلقين إلى أسلوب البحث والتقصي والاستنباط والاستنتاج.
الرابعة: رعاية مراكز البحوث العلمية والاهتمام الشديد بها ومطالبتها بعرض مخرجاتها في معارض علمية سنوية لتفعيل دورها في خدمة المجتمع، ومن جانب آخر وجودها سنوياً تحت سقف واحد سيفتح قنوات الاستفادة والتعاون والتكامل بين بعضها البعض بما يخدم البحث العلمي والتكنولوجي.
الخامسة: التشجيع والرعاية الحقيقية من قبل الدولة وتبني فكر الإبداع والابتكار وتشجيعه والاهتمام بالمكتشفين والمبدعين والمبتكرين وفتح باب التجنيس للعلماء المسلمين المرموقين الذائعي الصيت في المجالات العلمية المختلفة لتطبيق أفكارهم على أرض الواقع.
الإبداع والابتكاروالاكتشافات العلمية خصائص تستحق أن نتذكرها دائماً ويجب أن تحتل الحد الأدنى في الاتجاه الفكري العام لأنها الخيال الواسع للجواب القادر على تقديم الحلول العملية التي تؤثر في قدرتنا لتحقيق أهدافنا الطويلة الأجل، كما أنها يجب أن تكون خصائص تحتل مساحة كافية في محور تفكيرنا ليس فقط أثناء تخطيطنا للإستراتيجيات الطويلة الأمد ولكن أيضاً أثناء أداء أعمالنا الروتينية اليومية.
الخلاصة:
إن الاتجاه الفكري العام الخامل يكتفي دائماً بترديد شعارات الحكمة؛ بينما أي شيء يمكن مشاهدته وقياسه قابل للتطوير.