د. محمد عبدالله الخازم
تكررت عقوبة فصل طالبات جامعيات لأسباب متنوعة. ومع تعاطفي مع تلك الحالات؛ باعتبار الفصل أمرًا صعبًا على الطالبات، إلا أنني لا أحكم أو أدين طرفًا دون الآخر في ظل غياب التفاصيل، وصمت الجامعات المعنية عن الإيضاح. مثال: إحدى القضايا - وفق ما نشره الإعلام - تتعلق بكون الطالبات مسترجلات، أو يمارسن تصرفات توحي بذلك. انقسمت الآراء في هذا الموضوع لصعوبة تعريفاته وتوافر أدلته الدامغة، وكون النظرة إليه قد تكون نسبية، تعتمد على رؤية الأفراد وتصورهم للبس والمظهر والسلوك.. إلخ. لا نعلم إن صدر اعتداء أو إيذاء من المفصولات للغير، وهل تم اتباع أسلوب عقوبات متدرج لأولئك الطالبات المدانات، أم لا..؟
أكرر: لا أعرف التفاصيل، ولا أحبذ الاعتماد على الإثارة الإعلامية، لكنني أجدها فرصة للمطالبة بمراجعة منظومة الحقوق الطلابية وتفاصيلها المتعلقة بالحقوق والواجبات والعقوبات والسلوكيات، التي يفترض وجودها بكل جامعة تؤمن بحقوق طلابها من الجنسين، وتدرك دورها التربوي والأكاديمي.
يجب مراجعة لوائح تأديب الطلاب والطالبات، وتحديد أو تعريف السلوكيات والمخالفات المستوجبة للتأديب بشكل واضح؛ حتى لا يكون الأمر متروكًا لاجتهادات، بعضها دافعه أيديولوجي، لا يتقبل الاختلاف وحرية التعبير والسلوك. يجب أن تُبنى اللوائح بطريقة قانونية، توضح آلية التدرج في العقوبات، وآلية التظلم من القرارات وفق درجات متنوعة؛ حتى لا تُبنى القرارات على أسلوب إداري فردي متسلط.. ويكون هناك عدل، يتيح للطالب أو الطالبة الاستئناف والتظلم، وشرح وجهة نظره والاعتذار قبل صدور الحكم النهائي.
يجب تأسيس جمعيات/ مجالس/ إدارات مستقلة عن سلطة الجامعة، وتمثل الطلاب، يكون من صلاحيتها الدفاع عن الطلاب أمام الكليات والأقسام والأساتذة. من حق الطلاب أن لا يكون الخصم هو الحكم. الطالبات - على سبيل المثال - ربما احتجن إلى الاستعانة بمن يمثلهن ويدافع عنهن أمام سلطة الجامعة، في ظل خشيتهن من معرفة أسرهن بتلك التهم، والخوف من انحياز الإدارة الجامعية ضدهن.
يجب أن يوجد بكل جامعة أو كلية مركز إرشاد وعلاج، نفسي واجتماعي وأكاديمي، يُحال إليه الطالب المحتاج للإرشاد والمشورة والعلاج. لا يفترض فصل الطالبات قبل دعمهن وإرشادهن وعلاجهن وفق احتياجهن. الجامعات مؤسسات تربوية؛ يجب أن تستحضر مسؤوليتها الإصلاحية، العلاجية، التثقيفية والإرشادية.
يجب التفكير في منظومة أعمال وعقوبات بديلة، تساند الإصلاح، وتسبق قرارات الفصل والعقاب الصارم. مثال: العمل في مكتبة الجامعة أو المعمل أو الكافتيريا أو المركز.. أو القيام بعمل تطوعي، كزيارة المرضى، أو مساعدة الفئات المحتاجة، أو ما شابه ذلك من الأعمال المجتمعية، أو فرض كورسات ومحاضرات تتعلق بالتثقيف والإصلاح، كتلك المتعلقة بالعنف، أو بتطوير مهارات التواصل، أو تطوير هواية محددة... إلخ. الجامعة مليئة بالأعمال المختلفة التي تناسب هذه الحال.
لقد قرأنا إدانة محكمة لأستاذ جامعي؛ أساء لطالب. ولو كانت منظومة الحقوق الطلابية مكتملة في الجامعة، وكانت هناك ثقة لدى الطالب في نظام وعدل جامعته، لما اضطر للجوء لجهة خارج الجامعة. المنظومة الحقوقية الطلابية، وما تشمله من عقوبات وتقاضٍ وإصلاح وعلاج، ليست ناضجة في جامعاتنا؛ ونحتاج إلى تطويرها، ودعم تشريعاتها عبر ثقافة وممارسات إدارية وتعليمية متكاملة.