د. ناهد باشطح
فاصلة:
«لا يجب أن تتحول الوسيلة الإعلامية لبوق دعائي أو أن تصبح الوسيلة هي الرسالة»
(مارشال ماكلوهان)
لم يكن مقطع المواطن الذي صوَّر بكاميرا محمولة مبنى، قام صاحبه بتمرير أسلاك الضغط العالي من عمود كهرباء إلى داخل المبنى، وخرج من الجهة الأخرى؛ الأمر الذي يعتبر خطرًا يهدد حياة الناس، مجرد مقطع انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي في محايل عسير؛ إذ تحركت جهات عدة باستثناء الصحفيين ومؤسساتهم.
وحين تحركت بعض المؤسسات الصحفية فقد مارس بعضها الانحياز لنشر دفاع شركة الكهرباء عن نفسها.
وكأن من قام بتصوير المقطع المهم ليس مواطنًا، وليس دور الصحافة أن تكون صوته.
وفي ظل عدم إدراك المجتمع لتوصيف ما فعله المواطن المصوِّر قررت اللجنة السباعية إحالة هذا المواطن إلى لجنة التحقيق والادعاء؛ لاعتبارها سلوكه تشهيرًا يعاقب عليه قانون مكافحة الجرائم والمعلوماتية.
من حسن حظ المواطن أن تدخَّل أمير منطقة عسير، وحماه بإيقاف التحقيق معه، وشكره مع إفهامه أن النشر أثار الرأي العام.
والتساؤل: ماذا يفعل المواطن إذا شهد بعينيه خطأ، يضر الناس ومجتمعه؟ هل يسكت ولا ينكر ما رآه؟ هل يكون سلبيًّا؟
ماذا لو أن المواطن اتجه بالمقطع الذي صوره إلى أي مؤسسة صحفية، هل كانت ستهتم به أم يتعلق ذلك بالإجازة ومعاييرها التي تختلف حسب الموقف ومصلحة المؤسسة؟!
ما الأسهل؟ هل نشره في مواقع التواصل التي تعمل دون رقابة أم البحث عمن ينشره وبشروطه؟
ما مارسه المواطن من نشر حادثة أمامه هو صحافة المواطن، أو امتدادها «صحافة الموبايل» (موجو Mojo)، وهو النوع الذي ظهر في عالمنا العربي عام 2012، وتزامن مع ثورات الشعوب العربية. وإذا استمر الصحفيون في تجاهل صوت الناس، واستمرت المؤسسات الصحفية في خفض سقف الحرية، سيغيب دورها تمامًا عن مشهد حياة الناس، بينما ما زالت صحافة المواطن علميًّا مشكوكًا في تحري صدقها؛ لأن المواطن الصحفي ليس مرتبطًا بمؤسسة صحفية؛ وبالتالي لا يلتزم بمعايير مهنية كالمصداقية.
في رأيي، المواطن الذي صوَّر المبنى المخالف فعل ذلك للمصلحة العامة، باستثناء عبارات الاتهام التي وجهها لصاحب العمارة، أو للسلوك. ولا بد للصحافة الورقية من إيجاد منصات للمواطن الصحفي.
اللافت أنه في الأسبوع نفسه حصلت حادثة أخرى؛ إذ قامت مواطنة بتصوير مجموعة من الشباب؛ اعتدوا على رجل أمن، وتلفظت بعبارات مسيئة للجناة وهم يستحقونها، وكان ما نشرت سببًا للقبض عليهم، ولم تحوَّل إلى لجنة تحقيق، ولم تركز الصحافة إلا على عقاب المجرمين!!
في مدونة الصحفية «آية عليان» ذكرت أن استطلاعًا للرأي أُجري في أمريكا مؤخرًا، وجد أن أقل من ربع المستطلعين يعتبرون وسائط الإعلام من صحف وشبكات تلفزيونية تحظى بالمصداقية العالية. وقد تراجعت هذه النسبة بأكثر من عشرين نقطة عن منتصف التسعينيات.
أما لدينا فإني أتساءل: إلى أين ستتجه الصحافة لدينا؟
من المؤلم أن تجد نفسك عاجزًا عن عمل ما يمكن أن ينقذ مهنتك التي تحب؛ حتى لا تتحول من أداة نافذة في المجتمع إلى أداة يهجرها الناس؛ لأنها لم تعد صوتهم.