محمد سليمان العنقري
هكذا وجه أعضاء بمجلس الشورى نقدهم لتقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والتخطيط نقلته وسائل الإعلام، حيث ذكرت فيه أن رفاهية المواطن من مهامها، الأمر الذي تخوف منه الأعضاء المنتقدون حتى لا تنشغل به بعيدًا عن مهام أكثر أهمية كالقضاء على البطالة، حيث طالب الأعضاء بحضور معالي وزير الاقتصاد والتخطيط لمساءلته عن الرفاهية المقصودة وأسباب زيادة معدلات البطالة في الآونة الأخيرة، كما تساءل عدد من الأعضاء عن سبب استعانة الوزارة بخبرات أجنبية تتحصل على رواتب عالية جدًا.
فالملاحظ حسب ما نشر أن أبرز الملاحظات تعلقت بمهام الوزارة وأدوارها الرئيسة لمعالجة الملفات الاقتصادية التي تعد التحدي الأكبر للاقتصاد المحلي، إضافة إلى إيضاح المفاهيم التي تشكل الإطار العام لعمل خطط الوزارة لتقدم المجتمع، وبداية فإن الرفاهية هي نتيجة لمجموعة من الأهداف ترسم بالخطط التنموية وتوضع الطرق والأساليب التنفيذية وتوزيع الأدوار للوصول لها مما يحقق بنهاية المطاف نتائج تنعكس على المواطن وبقدر واقعية الخطط وجودة التنفيذ يكون قياس مستوى الرفاهية المنشودة.
لكن عند النظر بخطط الوزارة خصوصًا الثامنة والتاسعة كونهما نفذتا بفترة انتعاش غير مسبوق بأسعار النفط فإن ما تحقق بملف البطالة كان ضعيفًا بنتائجه بل ارتفعت نسبتها بالرغم من تزايد حجم التوظيف للمواطنين بأعداد غير مسبوقة لكنها لم تشكل أكثر من 15 في المائة تقريبًا من حجم فرص العمل التي ولدها الاقتصاد التي فاقت خمسة ملايين وظيفة على الأقل بآخر عشرة أعوام حيث ذهب جلها للعمالة الوافدة المستقدمة من الخارج ولذلك أسباب عديدة أهمها أن جلّ الوظائف الجديدة متدنية الدخل والمتطلبات أي عمالة عادية بما يعني أن توجهات الإنفاق تركزت في مجال التشييد وهو ما يفسر سبب سيطرة عمالة هذا النشاط على 50 في المائة من إجمالي العاملين بالقطاع الخاص، فكان حريًا بالأعضاء الأفاضل الذين سألوا عن سبب ارتفاع البطالة مناقشة سبب تباطؤ الاقتصاد الذي أدى ليس فقط لتراجع معدلات توظيف المواطنين بل فقدان عدد غير معلوم إلى الآن لوظائفهم وهو ما سمعنا عنه مؤخرًا واضطرت وزارة العمل لاتخاذ إجراء بمنع الفصل الجماعي للمواطنين من المنشآت الخاصة دون الرجوع إليها أولاً.
فالأولوية المنتظرة من مجلس الشورى مناقشة أسباب تراجع نمو الاقتصاد وظهور انكماش بأسعار السلع. لأول مرة منذ عشرة أعوام مما يشير إلى دخول الاقتصاد في ركود حتى وإن لم يعلن رسميًا، مع أهمية سؤال وزارة الاقتصاد والتخطيط عن «نجاعة الخطط» التي طبقت في العام الماضي سواء بتقليص الإنفاق الحكومي الكبير على مشروعات جديدة أو بتأخر سداد مستحقات المقاولين والموردين عمومًا حتى نهاية العام الماضي وما الآثار الفعلية التي أحدثها ذلك على تباطؤ الاقتصاد وكيفية معالجة هذا الركود إن صحت التسمية باعتبار أنها تعد حقيقة عندما تصدر من جهة رسمية مخولة كهيئة الإحصاء أو وزارة الاقتصاد فإذا عرف سبب ودوافع التراجع الاقتصادي سيتضح تلقائيًا سبب زيادة نسبة البطالة.
أما ما يتعلق بالرفاهية المقصودة كمهمة تراها وزارة الاقتصاد من مسؤولياتها فيبدو أنها تقصد محصلة نتائج خططها التنموية الانعكاس على المواطن والمجتمع بالرفاهية، لكننا نتفق مع التساؤلات التي تريد استيضاح مفهوم الرفاهية لدى الوزارة، فالمهم هو استدامتها من خلال زيادة فرص العمل وارتفاع الدخل ليغطي تكاليف المعيشة وتوفير التعليم والصحة بكافة مدن المملكة وكذلك دعم الاستثمارات وتعزيز دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة مع زيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد لتقليل الواردات وزيادة المحتوى المحلي بالإنتاج إضافة لتوفير كل الدعم المطلوب لرفع نسب تملك السكن الميسر وتنشيط القطاع العقاري السكني نظرًا لأهميته الاقتصادية، فالرفاهية هي محصلة لأعمال كبيرة تتم من خلال خطط تنموية انعكاساتها مستدامة وتفتح الباب لنهوض المجتمع من خلال فرص التعليم والتأهيل والعمل وتحسين مستمر لمستوى الدخل مع وجود بيئة اقتصادية تنافسية صحية.
وفيما يتعلق باستقطاب خبراء أجانب من قبل الوزارة برواتب عالية جدًا فالاستغراب الحقيقي أن يتم طرح هذا التساؤل وكأنه ظاهرة جديدة أو أن وزارة الاقتصاد فقط من ينفرد بها، فأغلب الجهات الحكومية الخدمية والاقتصادية سواء وزارات أو هيئات تستقدم خبراء أجانب فالأهم أن يناقش الشورى ذلك مع وزارة الخدمة المدنية لما لها من مسؤوليات وصلاحيات على التوظيف الحكومي واستقطاب الكفاءات والاستعانة بالخبرات الأجنبية وما مدى الاستفادة التي تحققت من توظيفهم، بل لا بد من السؤال عن عدم استقطاب خبراء وطنيين بدلاً من الأجانب فالمملكة زاخرة بالكفاءات من أكاديميين ومتخصصين وهم أقدر وأكفأ لفهم احتياج الاقتصاد والمجتمع.
الرفاهية ليست مهمة الوزارة المباشر ة إنما هي برنامج لعمل الحكومة وتحديدًا الجهات المعنية بالشأن التنموي عمومًا وهي نتيجة للخطط الاقتصادية التي تعد خريطة طريق لا بد أن تنعكس بنتائج مستدامة بالاقتصاد وعلى المجتمع وإذا لم «تُخفّض البطالة وتعزز قوة المجتمع اقتصاديًا» من خلال وظائف مجزية وحلول لملفات تملك السكن والادخار والاستثمار فلن تتحقق الرفاهية الصحية المنشودة التي تشجع على العمل والإنتاجية ورفع جودة الخدمات حتى ترتفع كفاءة الاقتصاد وينتقل لمرحلة تنافسية محلية وعالمية متجاوزًا ملفات يفترض ألا تكون هي التحدي الأكبر كالبطالة وتملك السكن نظرًا لواقع الاقتصاد المحلي الذي يوفر قرابة عشرة ملايين فرصة عمل للوافدين بينما لدينا نحو 690 ألف عاطل عن العمل حسب الإحصاء الرسمي، وكذلك مع وجود مساحات شاسعة بيضاء بالمدن فإن تراجع نسب تملك السكن وصعوبته أيضًا لا يمكن تبرير استمرارها بوجود إمكانات هائلة يمكن بتوظيفها تخطي كل هذه الملفات لتصبح من الماضي حتى تكون الرفاهية واقعًا وليست مهام لخطط على الورق.