إبراهيم السماعيل
لقد استبشر كثيرون في منطقتنا العربية بتغير حقيقي في سياسة الولايات المتحدة بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية في الوقت نفسه الذي ارتاب عملاء المشروع الفارسي من هذا الانتخاب فيما يتعلق بمواقف وسياسات الولايات المتحدة في المنطقة وتحديداً فيما يتعلق بالتغول والانتشار السرطاني الفارسي في بعض الدول العربية ذات الأقليات الشيعية. وذهب المتفائلون إلى أن هذا الرئيس وبناءً على مواقفه الانتخابية سوف يتخذ موقفاً مناقضاً وأكثر حزماً من موقف سلفه من المشروع الفتنوي الطائفي الفارسي في منطقتنا العربية! حيث اتسم موقف سلفه بالخداع والتآمر وربما التماهي مع المشروع الفارسي، وقد أقول والدعم القوي الماكر لهذا المشروع والذي لم يكن ممكناً له أن يتمدد بهذا الشكل الكارثي لولا هذه السياسة الأميركية التي يصفها البعض بالتردد أو التخبط أو الانسحاب من قضايا المنطقة العربية، وهي باعتقادي ليست أكثر من سياسة وإستراتيجية طويلة الأمد يقتصر دور الرئيس السابق فيها على المنفذ لهذه السياسة. فهل من الممكن أن نطمح إلى رؤية انقلاب حقيقي في سياسة ومواقف الولايات المتحدة في المنطقة العربية فيما يتعلق بالمشروع الفارسي في العهد الترمبي بناءً على تغير حقيقي لدى مراكز صناعة القرار هناك بعد أن اتضح لهذه المراكز أن المشروع الفارسي لا يمكن الاعتماد عليه ولا يستطيع أن ينتج أكثر من إثارة الفتن والتخريب من دون تقديم بديل مناسب، كما اتضح ذلك جلياً خلال السنوات الخمس السابقة في سوريا مما أجبر الإدارة الأميركية السابقة على الاستعانة بالروس عسكرياً بعدما استعانت بهم هذه الإدارة سياسياً من خلال قرارات النقض الروسية في مجلس الأمن على سبيل المثال. وهكذا كان وتدخل الروس عسكرياً هذه المرة وبقوه وأنقذوا الفرس ودميتهم في دمشق وحلفائهم الذين أوشكوا أن يُهزموا هزيمة منكرة على الرغم من كل الدعم والتآمر الأميركي الدولي معهم. هل يمكن أن يكون هذا التفاؤل مبرراً أم أن مسلسل الخداع سوف يستمر بأساليب أخرى أكثر مكراً؟
من البدهي والمعروف لدى الكثيرين أن السياسات الأميركية بعيدة المدى تصنع في مؤسسات لا تتغير بتغير الرؤساء، وأن دور الرؤساء هو تنفيذ هذه السياسات والإستراتيجيات وإن كان لكل رئيس نكهته وبصمته الخاصة ومساحة محدودة من الحرية في آليات التنفيذ، وهذا يتضح بشكل جلي على الأقل أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية وبروز الدور الأميركي العالمي المهيمن، وعليه فإن السياسات الأميركية الإستراتيجية لا يصنعها الرؤساء بل ينفذونها، فكلما كان الرئيس أكثر دهاءً وحنكة كان تطبيق هذه السياسات أكثر مكراً وأكثر تأثيراً على المدى البعيد، ولنا هنا أن نقارن بين عهدي الرئيس جورج بوش الابن ووالده الذي اتسم عهدهما بأحداث أثرت وما زالت تؤثر في المنطقة منذ استدراج صدام حسين إلى فخ غزو الكويت والذي ربما نتج عنه كل ما نراه الآن من كوارث (وسوف يستمر هذا التأثير لسنوات وربما لعقود قادمة) والذي اتسم باستخدام القوة المفرطة وإن كان الأب أكثر حنكة ودهاءً بكثير من ابنه في استخدام هذه القوة، وبين عهد أوباما الذي اتسم بالكثير من المكر والخداع والتضليل حتى خُيل للبعض أنه متردد وأن أميركا تنسحب من المنطقة!! [1].
وبناءً على ما تقدم، فإن شخصية ترمب المثيرة للجدل وجهله الواضح والفاضح بشؤون السياسة الخارجية وربما حتى الداخلية لن تؤثر كثيراً في سياسات الولايات المتحدة حول ما يجري من كوارث في منطقتنا، إنما التأثير الأكبر والأقوى قد يأتي من إسرائيل وتغير قناعات إسرائيل بعد كل ما جرى بأن الاعتماد على الفرس وعلى مشروعهم الفتنوي الأقلوي لن يجعل إسرائيل أكثر أمناً في المستقبل، وهذه القناعات الإسرائيلية قد تكون أحد أهم المحركات الرئيسة لكل سياسات الولايات المتحدة الأمنية في المنطقة، إضافةً إلى اقتناع الولايات المتحدة أن المشروع الفارسي قد يجعل وحش الإرهاب السني حقيقةً لا يمكن السيطرة عليها بعدما كان وسيلةً مسيطراً عليها لدعم وتبرير إرهاب المشروع الفارسي الطائفي المقبول أميركياً وإسرائيلياً حتى الآن على الأقل.
وعليه، فإن الإسراف في التفاؤل بشأن تغير حقيقي في سياسات الولايات المتحدة بعد انتخاب ترمب قد يكون سابقاً لأوانه ومجازفةً متسرعة، وعلينا أن ننتظر حتى نرى مواقف حقيقية تدعمها أفعال قوية على الأرض تبرر هذا التفاؤل، فلقد خُدعنا وصُدمنا كثيراً منذ بداية الكارثة السورية بأقوالٍ كثيرة ناقضتها أفعال الولايات المتحدة.
... ... ...
[1] راجع مقالنا في جزأين بعنوان هل انسحبت أميركا من المنطقة
رابط الجزء الأول: https://goo.gl/0k86mq
رابط الجزء الثاني: https://goo.gl/eKjdRa