د.عبدالله مناع
وسط الأنباء المؤسفة - والمتوقعة - عن تدمير الآثار والمنشآت السياحية اليمنية.. الذي قامت وتقوم به عصابات (الحوثي)، وميليشيات (المخلوع).. التي تتناقلها الصحافة ووكالات الأنباء هذه الأيام، وتلك الأخبار السعيدة التي صدرت عن رئيس لجنة (شكراً مملكة الحزم. شكراً إمارات الخير): السيد فراس اليافعي.. وهي تعلن عن اعتزامها - في الخامس عشر من شهر مارس الجاري - الاحتفال في العاصمة اليمنية المؤقتة (عدن).. بـ(ذكرى) مرور عامين على انطلاقة (عاصفة الحزم) التي قادتها (المملكة) و(الإمارات) في شهر مارس من عام 2015م.. لـ(نجدة) الشعب اليمني وحكومته الشرعية من انقلاب (الحوثي) و(خيانة) المخلوع.. كانت هناك أنباء أوروبية بيضاء عن رئيسة لجنة شعبة الجزيرة العربية في (البرلمان الأوروبي) السيدة (ميشيل إليوت ماري)، التي تحدثت يوم الثلاثاء الماضي عن (أهمية العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربي)، لتعود.. لتؤكدها في جلسة كرسها (البرلمان الأوروبي) لبحث الأوضاع في (اليمن).. قائلة: (إن العلاقات الأوروبية الخليجية.. على قدر كبير جداً من الأهمية.. ليس من الناحية الاقتصادية فحسب.. بل ومن الناحية السياسية والجيوسياسية)، و(أن ما يجري في منطقة شبه الجزيرة العربية وما حولها.. له تداعيات إقليمية ودولية، وأن التركيز على معاينة ومعالجة والمساعدة على حل الأزمة في اليمن.. ينطلق من هذه الحقيقة الثابتة)!! وهو ما يعني أن هناك انطلاقة أوروبية جديدة محتملة للمساعدة على حل (الأزمة اليمنية) بدعم أوروبي.. يملك أوثق العلاقات وأهمها مع اليمن، و(المكونات اليمنية)، واليمنيين أنفسهم، وإلى جانبها أنباء عن زيارة المبعوث الأممي (ولد الشيخ أحمد) للكويت التي استضافت منذ عدة أشهر: آخر مشاورات جرت بين (الشرعية) و(الانقلابيين).. لوضع آليات لـ(إنفاذ) قرار مجلس الأمن 2216 بضمانة الشقيقة (عمان) للجانب (الحوثي)، وضمانة الشقيقة (الكويت) لجانب (الشرعية)، إلا أنه وبعد مرور ثلاثة أشهر لم يتم الوصول إلى نقطة (نهاية) في تلك المشاورات.. مما اضطر معه الخارجية الكويتية إمهال الطرفين أسبوعين آخرين وأخيرين.. لإنهاء تلك المشاورات.. إلا أنه لم يحدث خلالها أي تطور إيجابي على صعيد تنفيذ القرار (2216).. لينصرف الجانبان كل إلى طريقه: (الانقلابيون) إلى صنعاء المغتصبة التي يحتلونها بالقوة.. و(الشرعية) إلى (عدن) عاصمتهم المؤقتة التاضطروا إلى اللجوء إليها ونقل سفاراتهم العربية والأجنبية إليها.. لكن زيارة (ولد الشيخ) الأخيرة هذه لـ(الكويت) لم تكن بهدف إعطاء (المشاورات) فرصة زمنية جديدة.. ولكن بهدف استمزاج رأي (الكويت) - وهي إحدى دول التحالف العربي الفاعلة - في توجهه الجديد، الذي يعتزمه (ولد الشيخ أحمد) بتحويل تلك (المشاورات) التي شهدتها جنيف لثلاث مرات وعُمان والكويت لمرة واحدة.. إلى (حوار مباشر) بين الطرفين: بين (الشرعية) و(الانقلابيين) لم يحدد موعده أو مكانه بعد، وهو ما اعتقدت بلوغه منذ البداية.. عندما ظهر (ولد الشيخ أحمد) المندوب الأممي - الخلف - للمندوب السابق (جمال بن عمر).. لأول مرة في مؤتمر الرياض عام 2015م، ودعا الطرفين إلى التوجه لـ(جنيف) لإجراء أول مشاورات بينهما!؟.. بدلاً من أن يدعو (الانقلابيين) إلى سرعة إنفاذ قرار مجلس الأمن (2216) بـ(الانسحاب) من المدن اليمنية الرئيسية التي احتلوها - صنعاء وتعز والحديدة -، وتسليم الأسلحة الثقيلة التي استولوا عليها، والأموال التي نهبوها من خزينة الدولة والبنك المركزي اليمني.. خاصة وأن القرار المذكور صدر تحت (الفصل السابع) من قرارات المجلس، وهو ما يعني استخدام كل الطرق والوسائل لإنفاذه.. حتى ولو بـ(القوة) عند الاضطرار إليها، لكن (ولد الشيخ أحمد) اختار طريق المشاورات ربما لـ(غاية في نفس يعقوب)!! هو إضفاء بعض الشرعية على (الانقلابيين) وما قاموا به من تدمير وما أشعلوه من حرب ما تزال رحاها دائرة.. منذ أن خرج الحوثيون من (صعدا) في سبتمبر - من عام 2014م - بحجج وطنية مغررة كـ(إعادة) الدعم الحكومي للمشتقات النفطية.. رأفة بحال اليمنيين عموماً، أو إبدال حكومة الوحدة الوطنية الفاسدة بحكومة نظيفة ترعى مصالح المواطنين والأمة اليمنية.. بينما لم يكن هدفهم الحقيقي من وراء خروجهم من (صعدا) آنذاك إلا الوصول إلى (الحكم).. لإنفاذ أجندة ملتبسة (إمامية) أكل عليها الدهر وشرب، و(إثنى عشرية) إيرانية ظهرت ملامحها جلياً طوال شهور الحرب.. التي ستكمل في شهر سبتمبر القادم عامها الثالث..!
* * *
فـ(المندوب الأممي) ولد الشيخ أحمد.. لم يستخدم - بكل أسف - طوال شهور مهمته التي قاربت الثلاث سنوات.. أياً من صلاحياته الأممية، فلم يطلب من مجلس الأمن إيفاد (مراقبين أمميين).. لمراقبة وقف إطلاق النار، أو لـ(القيام) بدور الاستلام والتسليم بين (الطرفين)، وكل الذي فعله وكان يفعله هو هذه الدعوات المتلاحقة لـ(اجتماعات تشاورية) تكررت بين سويسرا والكويت وعُمان.. لخمس مرات أو يزيد.. دون الوصول إلى نقطة بداية فعلية لتطبيق قرار مجلس الأمن (2216).. حتى أصبح قرار (2216).. كقرار (242)، الذي فشل في إنجازه بين إسرائيل والعرب السفير السويدي (جونار يارنج) عام 1967م، وهو الآن.. وكما قال عند زيارته الأخيرة لـ(الكويت).. يستعد لدعوة (الطرفين) إلى (حوار مباشر) بينهما، وهو ما سيرحب به (الحوثيون) والمخلوع.. فذلك أعظم ما كانوا يرجونه ويتمنونه.. وقد ساعدهم على بلوغه - بقصد أو بدون قصد - أداء المندوب الأممي السفير (ولد الشيخ أحمد) الخالي من العمق والدهاء أو الخبرة السياسية المفترضة لمواجهة أزمة كالأزمة اليمنية.. بكل تعقيداتها الدينية والقبلية الحادة..!
وإذا كنت لا أعرف قليلاً أو كثيراً عن موقف (الشرعية) من هذه (الدعوة) إذا مضى السفير ولد الشيخ أحمد في توجيهها بعد تحديد زمانها ومكانها، ولكنني أحاول قراءة موقف (الشرعية) منها.
فهي إن (رفضتها).. فإن ذلك يعني استمرار الحرب وهلاك البقية الباقية من (اليمن) الذي ما يزال في حوزة الحوثيين والمخلوع وتحت قبضتهم، وإن (قبلتها).. فإن ذلك يعني ضياع مخرجات الحوار الوطني، اليمني الشامل.. ودولته الاتحادية المدنية الراشدة.. التي سهرت على صياغتها صفوة النخب اليمنية، وتسليم نصف الوطن اليمني المغتصب لـ(الحوثيين) والمخلوع.. ولـ(أجندتهم) الإثني عشرية المرفوضة يمنياً وعربياً وخليجياً.
فـ(القبول) و(الرفض).. خياران أحلاهما مر..!
* * *
ولكن ربما يبقى الأمل.. في إنهاء هذه المعضلة السياسية العسكرية والمأساة الإنسانية، هو في التوجه الأوروبي المنتظر الذي ألمحت إليه رئيسة شعبة الجزيرة العربية في البرلمان الأوروبي السيدة (ميشيل ماري)، أو اللجوء اضطراراً إلى بوابات العمل السري وقنواته.. المتاحة والمفتوحة طوال الوقت، فما لا يُحل بالقوة.. يحل بغيرها!.