حمّاد السالمي
وحقوق المعلم لا تتوقف عند تبجيله وتقديره كما نادى بهذا قبل عقود الشاعر أحمد شوقي قائلًا:
(قم للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا)
حقوق المعلم عظيمة وكبيرة على مجتمعه كله، وعلى مؤسساته التي ينطلق منها، وعلى تلاميذه وطلابه، ورسالته في الحياة؛ هي رسالة الأنبياء والرسل، لا يكفيه أن يُقدر ويُبجل ويُحترم وهو جائع.. هذه حقوق بديهية تعرفها البشرية كلها وتحترمها، الأمر اليوم يتطلب النظر إلى تحقيق متطلباته الحياتية مثل غيره من الموظفين في المؤسسات الرسمية والأهلية.
المعلم وحده هو صانع اللبنات الأوَل في البناء البشري للوطن، وإذا أكرمنا هذا الصانع الحاذق الأمين؛ ضمنا شعبًا متعلمًا قادرًا على البناء ومواجهة الحياة؛ بفهم يستوعب متطلبات وتحديات العصر كافة.
اثنان في المجتمعات لا يستطيع أيًا كان محاسبتهما على أدائهما إلا الله عز وجل، هما: (المعلم، والطبيب). كل الناس يأتمنون المعلم على فلذات أكبادهم ويمنحونه ثقتهم، ويضعون حياتهم في يد الطبيب ويمنحونه ثقتهم، والمجتمع مطالب بإيلاء عناية خاصة بالتعليم والصحة، فهما عماد قوامه وفلاحه ونجاحه، فهل نحن نعطي تعليمنا وصحتنا هذه العناية وهذا الاهتمام..؟ إذا أكرمنا معلمينا وأطباءنا؛ فنحن بكل تأكيد نكرم أنفسنا، ونسير في الطريق الصحيح.
الدول العظيمة التي تقدمت وتطورت وحققت نجاحات تنموية في حياتها؛ ركزت على التعليم بداية، التعليم الناجح يؤدي إلى تنمية ناجحة، وكما كان يردد وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور (محمد بن أحمد الرشيد) -رحمه الله وغفر له- (وراء كل أمة عظيمة؛ تربية عظيمة)؛ فقد كنت أقول وقتها بناءً على رؤيته العظيمة هذه: (وراء كل أمة عظيمة؛ تربية عظيمة، ووراء كل تربية عظيمة؛ معلم عظيم).
وأمم وشعوب النمور الآسيوية، أدركوا قبلنا هذه الحقائق، فهذا (لي كوان بو)، مؤسس سنغافورة يقول: (أظن أنني لم أقم بالمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمت بواجبي، فخصصت موارد الدولة للتعليم، وغيرت مكانة المعلمين من الطبقات الدنيا في المجتمع إلى المكان اللائق بهم، وهم من صنعوا المعجزة التي يعيشها المواطنون الآن، وأي مسؤول يحب بلده ويهتم بشعبه، كان سيفعل مثلي).
أتحدث اليوم وأنا أدرك تمامًا حجم التحديات التي يواجهها وزير التعليم الدكتور (أحمد بن محمد العيسى)، ومعه من يقف إلى جانبه بهمة ونشاط وتجرد، في مؤسسة كبيرة لا يستهان بحجمها ولا بمهامها، وكم تضم من الموظفين والمعلمين والطلاب والتلاميذ.
تحديات تبدأ من نبذ الوصاية المقيتة على مقررات التعليم ومناهجه من خارجه، ولا تنتهي عند قضايا البيئات المدرسية والجامعية في المناطق والمحافظات على كامل التراب الوطني، ووسط هذا الكم الكبير من الهموم التعليمية، والطرائق (الدعوية) التي يصر الأوصياء على أن تكون مناهج تعليمية (تلقينية) لمقررات دراسية؛ لم ترق هي الأخرى لمرحلة التحديث والتطوير وعصرنة التعليم، في زمننا هذا وليس في زمن الغابرين الأوائل، وسط هذا الهم الكبير؛ تضيع حقوق المعلم، ويبقى على هامش الاهتمام من جوانب إعدادية ومادية على وجه خاص.
وهنا يدور سؤال محير بين المعلمين اليوم: متى يُعاد النظر في كادر المعلمين الذي أكل الدهر عليه وشرب..؟
كلما شاهدت صورة للأمير الجليل (خالد بن فهد بن خالد) في مناسبة رسمية؛ تذكرت أفضال هذا الرجل المسئول الكبير على التعليم والمعلمين، أيام كان وكيلًا لوزارة المعارف.
أتذكر أنه رعى حفل تخرجنا في كلية المعلمين عام 1400هـ في مكة المكرمة، ونحن أول دفعة دراسات في الكلية زمن عمادة الدكتور إبراهيم مناع، ووكيله الأستاذ عدنان كاتب.. بعد الحفل؛ سلمت عليه وسألته عما إذا كانت الوزارة تهتم بتحسين أوضاع المعلمين..؟ وجاء السؤال على خلفية ظاهرة تسرب المعلمين وقتها من سلك التعليم إلى قطاعات رسمية وأهلية.. فقال لي -ونشرت هذا في صحيفة الندوة في حينه- (قريبًا نعلن عن كادر وظيفي خاص بالمعلمين ينصفهم ويميزهم، ويكون مفخرة لهم، وسوف يتمنى كل موظف في الدولة لو يكون معلمًا). صدر بعد ذلك هذا الكادر الذي كان مفخرة فعلًا في حينه، وميز المعلمين، ونقلهم إلى الصدارة بين موظفي الدولة، ولكن مع مرور السنوات الطوال عليه، هرم وشاخ، وأمسى قديمًا، وغير فعال، ولا يتواكب مع حاجة المعلمين للتطوير، ولا مع ما جرى من تغيير وتطوير وقفزات شهدتها رواتب الموظفين كافة في القطاعات العسكرية والمدنية كافة، إلى جانب غلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار. مع كل هذا؛ ظل كادر المعلمين على حاله قرابة أربعة عقود، وظل المعلمون معه في أسفل السلم.
نعرف جيدًا أن الدولة لم (ولن) تبخل على قطاع التعليم، وهي تعطي كل اهتمام للمعلم والكتاب والمدرسة، وقد خصصت في أواخر عهد الراحل (الملك عبدالله بن عبدالعزيز) -رحمة الله عليه-؛ (ثمانين مليار ريال) لإصلاح وتطوير التعليم.
المعلم بدون شك؛ هو أهم محور في هذا التطوير الشامل مهنيًا ووظيفيًا وحياتيًا، ونصف مليون معلم ومعلمة مع ملايين من أسرهم، في انتظار ما هو منتظر منكم يا معالي وزير التعليم.