رقية سليمان الهويريني
في مشهد ينم عن العنف ضد الطفولة؛ تناقل الناس مقطع فيديو حقيقي لطفل لم يتجاوز العاشرة من عمره يقف - في مخيمٍ دعوي - أمام جمع من الفتيان بعمره وإلى جانبه رجلان يطالبانه ويحثانه على الاعتراف بأخطائه! والمفاجأة أن الطفل انخرط باكياً واعترف بأنه أقدم على سب أمه؛ قائلاً لها «الله يقطعك»، ومن ثم دخل في موجة بكاء مطالباً من يحضره ويشاهده بالتوبة!!
وهذا الاستدراج للاعتراف لا يخلو من أمرين أحدهما رغبة القائمين على المخيم الدعوي بإبراز جهودهم وإظهار بطولاتهم وإعادة وجودهم على الساحة الذي بدأ في التلاشي نتيجة للوعي الاجتماعي وفقدان الثقة بتلك المخيمات، أما الثاني فهو استغلال حاجة الحدث بالقيام بدور البطولة، ولفت الانتباه حيث يتم إشباع حاجته للظهور!
والحق أن ما حدث هو إرهاب لهذا الطفل الصغير وعبث في عقول أقرانه، واغتيال لبراءتهم، فهم لا يعلمون أصلاً أن سب الوالدين معصية، ولا يدركون مفهوم التوبة! ويمكن أن يدار الإرشاد والحث على بر الوالدين بأسلوب توجيهي أقل عنفاً وأكثر لطفاً؛ وهو بيان فضل الأم بلغة سهلة وأدوات بسيطة من خلال دورها الإيجابي في حياة الطفل دون أن يجر للاعتراف وسط زملائه الذين قاموا بالسجود بعد أن رأوا زميلهم يمارسه كشكر لله على التوبة، ثم إن التوبة ليست داعياً للسجود! بل ينبغي أن تكون بين العبد وربه، والاعتذار للمُسَاء إليه، وإن كان الهدف النصيحة فهي على الملأ فضيحة!
وما يؤسف له أن بعض الوعاظ بهذه الطريقة يعمدون للتشدد وينشرون العنف والتطرّف، والمؤلم أنهم يختارون أهدافهم من الأطفال واليافعين بكل عناية مما يستوجب على المسؤولين التدخل الفوري وقطع شأفة التطرّف، والسعي لإلغاء المخيمات التي تجمعهم ويبثون فيها فكرهم الضال وتوجيهاتهم التي لا ينقصها العنف وحقن التابعين بأفكارهم التخريبية.
لا أشك مطلقاً بردود الفعل للطفل حين يكبر ويدرك أنه تم استدراجه للاعتراف، وقام هؤلاء الوعاظ بانتهاك خصوصيته فقد يتحول لشخص عنيف يمارس نفس الدور، أو ينقلب لكرهٍ شديد للدين الذي فضحه وطالبه بالاعتراف برغم أن الشريعة الإسلامية تدعو للستر، وما التوبة إلا ستر للذنب بعد الإقلاع عنه!