د. حمزة السالم
أذكر موقفاً قد وقفت عليه بنفسي وعايشت أحداثه، فأنا أرويه بلا سند. شاب توظف حديثاً في منظمة ما، فحضر عرضاً لخبير أجنبي، كان قد قطع مرحلة مع عدد من المنظمات التي شهدت له بالكفاءة ولعرضه بالإبداعية وقدمت له علامات القبول والرضا والموافقة. فلما سمع الشاب السعودي عرض الخبير الأجنبي، شد انتباهه سطاحة العرض وسذاجته وتخلفه، كما شد انتباهه أكثر تضاعف كلفته أربع أو خمس مرات عن السوق. فالخدمة المعروضة مبتذلة، وقديمة وأجورها في السوق معلومة. هذا، فضلاً عن كونها غير صالحة لسوقنا.
فلما انتهى العرض، بدأ الشاب في مناقشة الخبير -المبجل- في عرضه ليبدي له ملاحظته على العرض. فما كان من الحاضرين إلا أن صفوا صفاً واحداً مع المستشار الأجنبي مؤيدين له، وقاطعوا الشاب وزايدوا عليه، كل يدعي الفهم والمعرفة.
وصاحبنا شاب خجول وجديد على المنظمة، بل هو اليوم الأول له، فما كان منه إلا أن سكت وأخذ يبحث في تلفونه عن شركة الرجل، والحضور يتناقشون مع الخبير الأجنبي الخطوات القادمة لإقامة المشروع. وكان الشاب في بحثه يتطلع أن يجد دخل شركة الخبير الأجنبي وتقييمها المالي، متأكداً بأنه سيجدها خاسرة أو عاطلة، فلعل هذا يشفع لملاحظته عند الحاضرين. فإذا به يجد الخبير الأجنبي دجالاً دولياً، قد خرج لتوه من السجون الأمريكية بعد أنهى عقوبته التي نالها بسبب احتياله. ووجده مطلوباً في دول أخرى وقد وُضعت صورة الخبير في مواقع رسمية مهمة في بعض الدول.
حينها قام الشاب بإرسال المعلومات بالواتساب لرئيسه الذي كان حاضراً. فذهل، وأرسل الرسالة للبقية. فخرست الألسنة، وتغيرت المواقف. واقترح الشاب تسليمه للأمن، إلا أن الحاضرين كفكفوا؟؟ الوضع، فكيف يقدم للأمن اليوم، والحاضرون قد سبق لهم جولات مع المحتال الدولي، وقدموه خبيراً أجنبياً ملهماً، فإذا بهم اليوم يسلمونه معتقلاً كمحتال دولي!؟ وأُلغي الاحتفال بالخبير الهمام، وضاعت على الجميع وليمة العشاء التي كانت معقودة على شرف الخبير.
وأصبح الشاب السعودي بطل المنظمة، وظن أنه سيواجه طلبات كثيرة من الأقسام، تدعوه ليساعدها في مشاريعها ونحو ذلك. فلما بث لي تخوفه من تراكم الأعمال عليه، قلت له، أبشر بطول سلامة وفراغ دائم. فلا والله لا يطلعك أحد على عمله، وسيُكتم عنك كل صغير وكبير، ويتجنبك الجميع. فقال ولم؟ فقلت لأنهم سيخشون أن تكشف لهم أخطاءهم، أو تأتي بمقترح بديل أفضليته واضحة بمراحل، يكون أجود كفاءة وأقل كلفة فتضيع بهرجتهم التي رقصوا عليها ردحاً معلوماً.
وهكذا كان بالضبط. حتى أصبحوا يكفكفون أوراقهم ويغشاهم السكون إذا دخل على أي قسم في المنظمة. وصاحبنا ما زال شاباً لم يتعود على ثقافة العمل في هذه المنظمة، فضاقت عليه نفسه، فاستقال، استقالة وجدها قد قوبلت بالترحيب والتسهيل لإتمامها في الساعة نفسها. وجلس في بيته يحاول استيعاب هذه السلوك العجيب. فهو البطل المنبوذ. فقلت له مواسياً، لا تحزن يا بني إنما أبعدوك بما مجدوك لأجله.