د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
زيارة الملك سلمان إلى شرق آسيا تؤكد مواكبة المملكة لمستجدات الاقتصاديات العالمية التي تتجه إلى التكتلات والتي سترسم شكل الاقتصاد العالمي الجديد، حيث ستكون مراكز القوى الاقتصادية في دول شرق آسيا، وستتصدر الصين قائمة العشر الاقتصاديات في العالم تليها الهند وتتراجع الولايات المتحدة إلى المركز الثالثة وتليها إندونيسيا المرحلة الرابعة وتحتل اليابان المرتبة الثامنة حسب تقرير صادر عن شركة اقتصاديةpwc المتخصصة بالشؤون الاقتصادية في العالم.
تلك الجولة تتوافق مع متطلبات وتحقيق رؤية المملكة 2030 في التحول إلى دولة ما بعد عصر النفط، حيث تتجه السعودية نحو التحول من الصناعات الأساسية التي أنشأتها خلال الفترة الماضية وتحويلها إلى منتجات متخصصة تسمح لها بالمنافسة العالمية بما توفره من مواد أساسية تخدم قطاع الصناعة خصوصا وأن صناعة البتروكيماويات أصبحت مهمة وذات قيمة عالية سواء للاقتصاد الوطني أو العالمي حيث لا يمكن أن تقوم أي صناعات بدون المواد الأساسية التي توفرها البتروكيماويات، وهي تهدف في تنمية الاقتصاد الوطني وتشارك زبائنها على مستوى العالم.
هذه الصناعات تعتبر حلا للتحديات المجتمعية والاستدامة من أجل التوجه نحو نهايات سلسلة القيمة لتحقيق قيمة مضافة أكبر، وهي تحتاج إلى أسواق كبيرة، لذلك جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى شرق آسيا تحقيقا للمرحلة الجديدة التي سوف تدخل فيها المملكة بالبحث عن تكتلات جديدة وأسواق لمنتجاتها الجديدة.
ففكرة الاستثمار والتصدير للخارج جديدة على المملكة، ولكنها هي أحد أهم مطالب تحقيق الرؤية والتحول من تصدير منتجات أساسية إلى تصدير منتجات متخصصة وهو ما يتطلب في استيعاب المواصفات السعودية بعد إقرارها الهيكلة والأنظمة الجديدة التي أقرتها وتتماشى مع الرؤية التي تكفل حقوق جميع الأطراف وهي التي تشجع على جذب الاستثمار الأجنبي وتعزيز الثقة بين المملكة ودول شرق آسيا خصوصا، وأن تلك الدول خزان بشري ويمتلك من المقومات العديدة بجانب أنه سوق ضخم استهلاكي.
لذلك تعتبر زيارة الملك سلمان لإندونيسيا في جولة نادرة لملك سلمان أتت بعد زيارة الملك فيصل لإندونيسيا عام 1970 وزار رئيس وزراء إندونيسيا جوكو ويدودو السعودية في سبتمبر 2015.
تسعى المملكة خلال تلك الزيارات تنويع اقتصادها للحد من الاعتماد على النفط، وقع خلال تلك الزيارة الملك سلمان 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم للتعاون بين البلدين في مجالات متعددة، كان من أهم الاتفاقات التي تسعى له المملكة من التوسع في تكرير النفط إذ وقعت شركتي أرامكو السعودية وشركة بيرتامينا الإندونيسية لتوسيع مصفاة نفط إندونيسية تبلغ قيمته ستة مليارات دولار.
كذلك وقعت شركة أرامكو مع شركة بتروناس الماليزية بضخ سبعة مليارات دولار في مجمع للبتروكيماويات والتكرير وهو ما يمثل سباق على الحصة السوقية في آسيا وهو يعزز الاستثمار في المصب الذي تهدف إليه شركة أرامكو قبل التخصيص الذي قد تشارك فيه تلك الدول لتعزيز الشراكة وتعزيز الروابط بين المنطقتين.
حيث المنافسة حادة في آسيا بين المنتجين ومن بينهم روسيا وآخرون من الشرق الأوسط، ويوفر نمو الطلب في آسيا الملجأ الوحيد للإنتاج وخاصة بعد أن خسر المنتجون حصة سوقية في سوق الولايات المتحدة نتيجة لزيادة إنتاج النفط الصخري هناك، وأن تكون السعودية مشاركة في مصافي آسيوية يعطيها اليد العليا عندما تتنافس مع منتجين آخرين من داخل وخارج أوبك وجميعهم يستهدفون المزيد من مبيعات النفط لآسيا.
وبموجب الاتفاق مع بتروناس الماليزية ستورد أرامكو ما يصل 70 في المائة من لقيم النفط الخام الذي يحتاجه مشروع رابيد والذي يضم مصفاة نفط بطاقة 300 ألف برميل يوميا ومصانع بتروكيماويات، كما عززت أرامكو علاقاتها مع إندونيسيا أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا من خلال توريد 270 ألف برميل يوميا لمصفاة سيلاكاب التي تمتلكها برتامينا بعد الاستحواذ على حصة 45 في المائة، وهو ما يوفر طلبا مستداما على النفط السعودي، وسيمكن الشركتين بإضافة قيمة لهذا النفط من خلال تصنيعه لمنتجات عالية الجودة سواء كانت وقودا أو منتجات بتروكيماوية للسوق الماليزي وللأسواق المجاورة.
ولدى أرامكو السعودية مشروعات مصافي تكرير أيضا في كوريا الجنوبية واليابان والصين، كما أن لديها استثمارات مع إكسون موبيل وتوتال وسينويك، وفي الأجل الطويل يتوقع أن تكون أرامكو بحاجة لإبرام المزيد من الصفقات المشابهة وربما شراء حصص في مصاف تابعة لبترو تشاينا وسينوبك لضمان قدرتها على بيع المزيد من الخام للصين وآسيا. خصوصا وأن السعودية صدرت في عام 2016 نحو 6.96 مليون برميل يوميا لأكبر ستة مشترين للنفط في آسيا وهم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة من واردات إجمالية بلغت 31 مليون برميل يوميا.
الزيارة حدث مهم لأكبر دولة إسلامية ثم يعقبها زيارة لليابان والصين التي تعتبر مراكز قوى لديها علاقات تجارية واسعة وتمتلك من المقومات التكنولوجية تساهم في نقلها إلى السعودية عبر إقامة شراكات متعددة لأن نقل التقنية لا يمكن أن يتم نقلها من دون إقامة شراكات اقتصادية تتبادل فيها المنافع.
خصوصا وأن المملكة تعد القلب النابض للعالم الإسلامي والجمهورية الإندونيسية بشكل خاص وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان وهما ضمن الاقتصادات الكبرى في مجموعة العشرين، وكلا البلدين يتمتعان بميزة جغرافية، فالسعودية تربط بين القارات الثلاث آسيا وإفريقيا وأوربا، كما لإندونيسيا موقعا جغرافيا مهما في جنوب شرقي آسيا، مما يجعل التكامل الاقتصادي بينهما بالغ الأهمية.
بل يمكن للسعودية التي تتجه نحو تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة عبر بوابتي ماليزيا وإندونيسيا، حيث يعتمد الاقتصاد الإندونيسي على المنشآت الصغيرة والمتوسطة بنسبة 99.9 في المائة من إجمالي عدد المنشآت و 96 في المائة من الأيدي العاملة التي تعمل في تلك المنشآت، وهي تمثل 61 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
حيث تعتبر المملكة أن الاهتمام بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة يصب في التنويع الاقتصادي وفي تحقيق رؤية المملكة 2030 لتسهم في بناء الاقتصاد الوطني من خلال الاستفادة من التجارب العالمية لتعظيم دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة وبناء تطوير استراتيجيات العمل في السعودية والاستفادة من عكس تلك التجارب الرائدة خصوصا وأن الكثير من دول العالم يتصاعد فيها بشكل كبير دور المنشآت الصغيرة والمتوسطة في بناء اقتصادياتها.