ما الذي يعنيه أن تُلخص كتابًا أو نصًا أو فكرةً أو بحثًا؟! معناه أن نؤوله ونجتزئه؛ فالتأويل والاجتزاء هما المقابل للتلخيص؛ ولذلك فإن التلخيص هو إشكال فلسفي تهتم به فلسفة اللغة والهرمنيوطيقيا. فأنا حينما ألخص فكرةً فإني أُعمِل فيها أفكاري وتأويلي الذي أؤمن به؛ وأما القصد الذي أدعيه لمبدع هذه الفكرة أو ذاك الكتاب فهو قصدٌ على قصد؛ بمعنى أني أدخلت قصديتي في قصد المبدع؛ حتى وإنْ أعلن هذا المبدع للنص قصديته فهي ليست ملزمة بحسب فلسفة التأويل؛ فالمعنى لا نهائي ومتعدد بحسب أفهام البشر.
ولكل هذا فإن التلخيص هو إبداع جديد على النص وليس النص ذاته؛ فالملخص إنما هو منتج ثانٍ للنص إضافة إلى كونه مجتزئ للأفكار الخاضعة للتأويل؛ فالمؤوِل/الملخِّص للنص يؤول ما هو مجتزأ من هذا النص وليس النص كله؛ ومن هذه المنطلقات فإن التلخيص هو إشكال أكبر من محاولة حل إشكال عدم فهم النص الأصلي بتلخيصه.
وبما أن هذا التلخيص هو اجتزاء للنص فإنه يبتر الأفكار و يحيل إلى ضعف في التفكير ومنح الملخِّص مرتقى سهلاً بعيدًا وعورة الأفكار وعمقها؛ فاللجوء إلى التلخيص هو لجوء إلى الأسهل وليس لجوءً إلى الأعمق؛ وبالتالي فإن مخرجات هذا التلخيص الفكرية ستكون سطحية وربما فوضوية أيضًا بسبب ذلك الاجتزاء.
ولعل قراءة بعض الكتاب من أصله أو الاطلاع على بعض الفكرة من مصدرها؛ يكون أكثر نجاعة من الاطلاع على تلخيصها في مصدر ما؛ فنحن حينما نطلع على بعض هذا الأصل فإننا نؤول باجتزاء بينما اطلاعنا على ذلك التلخيص هو تأويلٌ على تأويل؛ وعندها سيتكفل هذا التلخيص بإبعادنا أكثر عن النص الأصل وليس تقريبنا منه كما يزعم. ربما يكون التلخيص دليلًا على التعامل مع المعنى الأحادي للنص بعيدًا عن معنى المعنى أو تعددية المعنى؛ فالموقن بتعددية المعنى سيجد إشكالاً ظاهرًا في التلخيص باعتباره تأويلاً على تأويل.
- صالح بن سالم
_ssaleh@