د. عبدالرحمن الشلاش
تبقى بعض الأمور مسكوت عنها في بعض الأجهزة الحكومية وإلى أجل غير محدد، حتى إذا حدث ما ينغّص على الموظفين أو يكدر على المستفيدين من مراجعين وغيرهم استنفرت الغالبية للبحث عن ما يدين المسؤول الأول أو أحد مساعديه .
من الموضوعات التي تُثار بين فترة وأخرى موضوع توظيف الأقارب، نسمع عنه منذ زمن وسجّلت بعض التقارير أنه يكثر في المناطق النائية بسبب عزوف أبناء المدن عن الذهاب لتلك المناطق لبعد المسافة، وكذلك بعد مقرات الجهات الرقابية مما أضعف دور المتابعة، لكن في المدن قد يبدو الأمر محدوداً بسبب تسليط الأضواء بشكل مكثّف وتكاثر طوابير المنتظرين بحثاً عن فرص التوظيف.
تطفو هذه القضية على السطح عند نشر اتهامات لمسؤول بتعيين أحد أقاربه باعتبار أن ما قام به يعد انتهاكاً لقيم العمل ونوعاً من التجاوز غير المقبول حتى ولو كان القريب جديراً بالوظيفة ويملك القدرات والمهارات المطلوبة!
رغم هذه الاتهامات أو حتى التجاوزات - إن ثبت حدوثها - فهل توظيف الأقارب يمثِّل ظاهرة بالفعل، ثم هل توظيف القريب محرَّم حتى ولو كان جديراً بمؤهلاته وقدراته، وهل يعتبر بالفعل تجاوزاً لأنظمة الخدمة المدنية أو العسكرية؟
توظيف الأقارب قد يكون قضية تستدعي القراءة العميقة من قِبل الجهات المعنية لوضع الحلول العملية، لكنه بالتأكيد لا يشكِّل ظاهرة طاغية تجعلنا نقف في كل مناسبة لتفسير أي إجراء توظيفي في إطاره . هناك تجاوزات مضرة بتوظيف أقارب غير جديرين من باب التنفيع وهذه مسؤولية الجهات الرقابية لكشفه ومعاقبة المتسبب.
أما عن مدى نظامية توظيف الأقارب فليس في النظام ما يمنع متى ما انطبقت الشروط وكان المتقدِّم القريب من ذوي الكفاءة، لكن غالبية من المسؤولين يتجنبون توظيف القريب لمنع الحرج وقفل أبواب الشك والريبة وكي لا يكون بيت المسؤول من زجاج ينكسر عند رمي أي حجر، وأعتقد أن هذا من أفضل المسالك القيادية عملاً بالقول الشعبي: «باب يجيك منه الريح سده وأستريح» و»أبعد عن الشر وغني له»، ويفضل المسؤول أن يتم توظيف قريبه في جهة حكومية أخرى وقد يتوسط له خروجاً من منطقة الضغط العائلي! وفي كل الأحوال يجب الحد من عمليات التوظيف القائمة على المناطقية والقبلية والعائلية لأنها في النهاية قد تصنف ضمن الفساد الإداري الذي لا تقبل به الدولة رغم أن المنطق يفرضه في المؤسسات التي تعود ملكيتها لمن يديرها فيوظف من يريد ويفصل من لا يرغب فيه لأي سبب من الأسباب، على إن حدث هذا فهو محدود للغاية، وربما أنه زال تماماً الآن، بفضل سيطرة وزارة الخدمة المدنية على الوظائف.