سلمان بن محمد العُمري
أتذكّر دائماً وعند كلِّ صلاة جمعة وصيّة منذ الصغر قالها لي والدي - رحمه الله، وقد حضرت معه أوَّل صلاة جمعة في جامع الإمام تركي بن عبدالله - رحمه الله - بالرياض أن لا أتحدَّث ولا أعبث بأيِّ شيء، وأن ألزم الصمت وأنصت للإمام، ثم التحقت بالمدرسة فاستمعت إلى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ: أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ؛ فَقَدْ لَغَوْتَ» رواه البخاري ومسلم، وكذا العبث وقت الخطبة لحديث: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» رواه مسلم، وقد نقلت هذه الوصيّة مع الأحاديث إلى أبنائي جميعاً - ولله الحمد - عندما أخذتهم لأول مرّة إلى صلاة الجمعة وقبلها بيوم، وبيان أداء السنة قبل الخطبة وحسن الإنصات وأنّها صلاة جهرية وركعتان وليست كصلاة الظهر.
ومنذ مدّة وأنا ألزم صلاة الجمعة في مسجد واحد عدا بعض الأوقات الذي أكون ذاهباً لصلاة الجنازة أو في الطريق لعملٍ أو زيارةٍ عائلية بعد الصلاة، وقد لحظت ظاهرة غير مألوفة في السابق ولم أعلم أهي جهلاً بالأحكام أم استخفافاً بالمقام - والعياذ بالله. هذه الظاهرة هي انشغال بعض المأمومين أثناء خطبة الجمعة وانشغالهم إمّا بالجوال قراءةً وكتابةً وتواصلاً وأحياناً رداً على بعض المكالمات، وآخر ربّما أخرج سبحته وقلّبها ذات اليمين والشمال وكأنّه في (الاستراحة) أو حرّك خرزها فراداً وكأنّه يسبّح ويهلّل ويستغفر بها.
وفي كلتا الحالتين فقد أخطأ وارتكب المنهي عنه، وطائفة أخرى وهي العمالة - هداهم الله - يتجمّعون بجوار بعضهم بعضاً جماعات، وفي مؤخّرة المسجد فيدور الحديث والنقاش بينهم ولربّما علا صوتهم، وكم من إمامٍ نهاهم عن النقاش والحديث وطالبهم بالإنصات.
إنَّ هذه الظواهر السلبية والمخالفات الشرعية هي مع الجهل تنم مع الأسف عن عدم التوقير لهذه الشعيرة التي يتعبّد الناس إلى الله تعالى بالإنصات لما يقول الخطيب فيها.
إنَّ ليوم الجمعة فضائل وأي شيء بأفضل من أداء فريضة الله بخطبة الجمعة وصلاتها، فعن أبي هُِرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» أخرجه أحمد 2/401(9196) ومسلم3/6.
وممّا أمر الله به - سبحانه وتعالى - في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} (9) سورة الجمعة، فهذا النداء لصلاة الجمعة، والجمعة واجبة وفي الآية الكريمة لم يقل اسعوا إلى الصلاة وإنما اسعوا إلى ذكر الله ليشمل الاثنين معاً، بل قدّم سبحانه الخطبة على الصلاة وأمر بالحضور للاثنين.
أتمنّى من الأئمة التذكير دائماً للمصلّين بحسن الإنصات والاستماع، ومن أولياء الأمور أن ينبّهوا أبناءهم بأهمية صلاة الجمعة وعدم فواتها، وحسن الاستماع والإنصات إلى الإمام والحضور بملابس لائقة.