قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّي زِدْنِي عِلْماً} فقد كان الدعاء بطلب العلم لا المال ولا الجاه، فالعلم هو النبراس الذي تضاء به حيرة الباحثين ويجاب من خلاله على أسئلة المفكرين وبالعلم يرتقي الفرد أعلى القمم، حيث يشكل التعليم اللبنة الأساس للحكم على رقي المجتمعات وتطورها، ولقد أولت السعودية اهتماماً بارزاً بالتعليم بمختلف مراحلة ولجميع فئات المجتمع وعلى وجه الخصوص الأفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، إذ وفرت السعودية البرامج الخاصة والخدمات المساندة لهم، وكانت البداية الفعلية لتعليم الطلبة الصم في المملكة العربية السعودية في العام (1384هـ) من خلال افتتاح أول معهد للطلبة الصم في مدينة الرياض، وظهر الاهتمام بتعليم الأفراد الصم بشكل خاص وتعليم الأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام من خلال صياغة قواعد تنظيمية لمعاهد وبرامج التربية الخاصة والتي تشكل خارطة الطريق لعمل هذه البرامج في مرحلة التعليم العام.
وخلال السنوات الأخيرة فُتِح المجال أمام الطلبة الصم وضعاف السمع لإكمال تعليمهم الجامعي، وكان عام (1415هـ) باكورة فكرة التعليم العالي للطلبة الصم وذلك من خلال مقترح مقدم من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن فهد بن عبدالعزيز لإنشاء كلية خاصة بالطلبة الصم، وفي تاريخ (4-5-1423هـ) صدرت موافقة المقام السامي رقم (7/ب/9173) والقاضي بتمكين الأفراد الصم وضعاف السمع من مواصلة التعليم العالي بالجامعات والكليات أسوة بأقرانهم السامعين.
وتنوعت تجارب برامج التعليم العالي للطلبة الصم وضعاف السمع بين الفشل والنجاح وبين الاستمرار والتوقف، ومن بين أهم برامج التعليم العالي للطلبة الصم وضعاف السمع ما يلي:
ـ برنامج التعليم العالي للطلبة الصم بكلية الاتصالات:
يعد هذا البرنامج هو الأول من نوعه كبرنامج تعليم عالٍ للطلبة الصم في السعودية، إذ تم افتتاحه يوم الثلاثاء الموافق 28-8-1425هـ بحضور كل من الدكتور علي بن ناصر الغفيص محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني سابقاً والدكتور ناصر بن علي الموسى المشرف العام على التربية الخاصة في وزارة التعليم سابقاً وعضو مجلس الشورى حالياً، وكان الفصل الدراسي الأول من عام (1425هـ) أول فصل دراسي للطلبة الصم في قسم التقنية الخاصة بكلية الاتصالات والمعلومات التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني حيث يمنح الطالب الأصم بعد اجتياز البرنامج دبلوم التطبيقات المكتبية للمعاقين سمعياً، وتم إعداد الخطة الدراسية لهذا البرنامج من قبل لجنة مكونة من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني، والأمانة العامة للتربية الخاصة بوزارة التعليم، وقسم التربية الخاصة بجامعة الملك سعود بالإضافة إلى اعتماد معايير قبول الطلبة الصم وضعاف السمع ووصف لخطة البرنامج بشكل مفصل.
وامتداداً لإتاحة الفرصة للطلبة الصم وضعاف السمع لإكمال دراستهم من قبل المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني فقد فتح المجال لقبول الطلبة الصم وضعاف السمع في دبلوم التطبيقات المكتبية للمعاقين سمعياً في كلية التقنية بحائل في عام (1426هـ)، ومن ثم تم تطبيقه في كلية التقنية ببريدة في عام (1427هـ).
ـ برنامج التعليم العالي بكلية التربية للاقتصاد المنزلي والتربية الفنية:
بعد صدور قرار نائب وزير التعليم لتعليم البنات بتاريخ 13-8-1425هـ والقاضي بقبول الطالبات المعاقات سمعياً في التعليم العالي أسوةً بالبنين المعاقين سمعياً وفق شروط وضوابط لقبولهم، حيث في مطلع عام 1426هـ تم تخصيص عشرة مقاعد للطالبات الصم للدراسة بقسم الاقتصاد المنزلي والتربية الفنية بكلية التربية للبنات (سابقاً) التي تسمى الآن جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بمدينة الرياض، حيث تم توفير مترجمات لغة إشارة لهن ومعلمات مساعدات لكتابة المحاضرات، وكان يتاح لهن التخصص في التخصصات التالية: قسم التربية الفنية، وقسم السكن وإدارة المنزل، وقسم النسيج، ويمنح هذا البرنامج درجة البكالوريوس، لكن هذه التجربة لم تدم طويلاً حيث تم إيقاف البرنامج في عام 1427هـ.
ـ برنامج التعليم العالي للطالبات الصم في كلية التربية بمكة المكرمة:
كانت البداية في هذا البرنامج في عام 1425- 1426هـ، حيث تم قبول الطالبات الصم وضعيفات السمع في كلية التربية للبنات بمكة المكرمة، ولكن كانت هناك الكثير من الصعوبات والتحديات أمام هذا البرنامج الذي انتهى إلى عدم تنفيذه بالشكل المطلوب.
ـ برنامج التعليم العالي للطلبة الصم بالجامعة العربية المفتوحة:
كانت بداية هذا البرنامج في أسبوع الأصم التاسع والعشرين في عام (1425هـ)، حين تمت الموافقة على منحة دراسية للطلبة الصم وضعاف السمع بواقع اثني عشر مقعداً مقابل رسوم مادة تكفل فاعل خير بدفعها لجميع الطلبة، ومع فتح باب القبول للطلبة كانت الأعداد كبيرة لذا اضطرت الجامعة إلى وضع قائمة انتظار لمن لم يتم قبولهم، وفي هذا البرنامج يمنح الطالب الأصم بعد نهاية مدة الدراسة درجة البكالوريوس، وكانت بداية التحاق الطلبة الصم بهذا البرنامج في العام 1426 - 1427هـ، واعتمد البرنامج القاموس الإشاري العربي الموحد كمرجع أساسي لتدريس الطلبة الصم، ونظراً لتدني مستوى اللغة العربية عند الطلبة فقد عمل البرنامج على تطوير مستواهم اللغوي من خلال دورات مكثفة بالإضافة إلى طرح عدد من المواد الدراسية التي تركز على الجوانب اللغوية، ويعد هذا البرنامج من أوائل برامج التعليم العالي للطلبة الصم وضعاف السمع في السعودية.
ـ برنامج التعليم العالي للطلبة الصم بجامعة الملك سعود:
شكل العام 1432 - 1433هـ البداية لهذا البرنامج، إذ كان عدد الطلبة الملتحقين في هذا البرنامج قرابة (40) طالباً وطالبة.
تم إعداد هذا البرنامج من قبل لجنة علمية تضم عددًا من التخصصات حول مجال تربية وتعليم الطلبة الصم، حيث يبدأ الطالب الأصم الدراسة في هذا البرنامج بالسنة التأهيلية، ويتم من خلالها العمل على التغلب على بعض المشكلات اللغوية في اللغة العربية لدى الطلبة ورفع مستوى المهارات اللغوية لديهم، وبعد اجتياز هذه المرحلة ينتقل الطالب الأصم إلى السنة التحضيرية ليتلقى تعليمه الجامعي بجانب زملائه السامعين، وفي هذا البرنامج يتاح للطلبة الصم الدراسة في التخصصات التالية: بكالوريوس تربية خاصة، بكالوريوس تربية فنية، بكالوريوس تربية بدنية، وفي هذا البرنامج يتم توفير عدد من الخدمات المساندة للطلبة الصم وضعاف السمع، كتوفير مترجم لغة إشارة، وتوفير عدد من الأشخاص يقوموا بكتابة ملخصات للمحاضرات، وتوفير خدمات مواصلات لهم، وتوفير المسكن، بالإضافة إلى إعطاء الطلبة الصم وضعاف السمع مكافأة شهرية.
وتعد تجربة جامعة الملك سعود في التعليم العالي للطبة الصم وضعاف السمع هي الأنجح من بين جميع التجارب في السعودية حتى الآن، على أمل أن نشاهد توسعًا أكبر لهذه التجربة في جميع مدن السعودية والخليج والعالم العربي.
- ماجستير تربية وتعليم الصم وضعاف السمع