«الجزيرة» - عبده الأسمري:
نهجت إيران خلال الأعوام الأخيرة خططًا جديدة لتهجير أهالي الأحواز العرب من أقاليمهم حيث حوّلت المياه إلى استخدامات أمنية وحربًا خفية على أهالي الأحواز العرب من خلال عدة خطط لتدمير البيئة البيئية في الأحواز من خلال بناء السدود والتلوث الجوي وتجفيف منابع المياه.
وأكَّدت الدراسات أن تجفيف المياه في الأحواز أدى إلى قطع أرزاق نحو أربعين قرية يقطنها الآلاف الأمر الذي أدى إلى هجرة إجبارية وكان علي خامنيئي قائد النظام الإيراني قد أكَّد على ضرورة استخدام المياه استخدامًا أمنيًا وطالب المسؤولين بأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وقد جاء هذا التصريح لقائد النظام الإيراني في عام 2003 في برنامج أسمته «طهران» برنامج التنمية لمدة 20 سنة للبلاد.
نقل المياه ومصادرة الحقوق
من جهته أكَّد عضو التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز مهدي الهاشمي لـ»الجزيرة» لقد بنت الدولة الإيرانية العشرات من السدود على أنهر الأحواز التي تنبع من مرتفعات سلسلة جبال زاجروس، بحيث بنت أكثر من خمسين سدًا على منابع ومصب نهر كارون والعشرات من السدود على أنهر الكرخة والجراحي والزهرة وعديد من الأنفاق لنقل مياه أنهر إقليم الأحواز إلى المحافظات المركزية الإيرانية دون علم السكان الأصليين في إقليم الأحواز ودون أخذ إذنهم ودون مراعاة أدنى حقوقهم في هذه المصادر الحيوية وخزنت إيران المليارات من الأمتار المكعبة من المياه في المحافظات الواقعة في شمال وشرق إقليم الأحواز.
مشيرًا إلى أن إيران قد دشنت 25 سدًا على نهر كارون و8 سدود على نهر الكرخة وخمسة سدود على نهر الجراحي، وتستمر الدولة الإيرانية في بناء 19 سدًا على نهر كارون و12 سدًا آخر على نهر الكرخة وخمسة سدود أخرى على نهر الجراحي ويجري التخطيط لعديد من السدود الأخرى.
أنفاق لسرقة المياه
وأكَّد الهاشمي أن الدولة الإيرانية سبق ودشنت في عهد البهلوي عددًا من الأنفاق لنقل مياه نهر كارون إلى المحافظات اللا مركزية الإيرانية، كما ازدادت وتيرة بناء عدد من الأنفاق في فترة «جمهوري إسلامي إيران» وقد تم بناء الأنفاق لنقل مياه الأنهر الجارية منذ آلاف السنين في غرب زاجرس إلى المحافظات المركزية الإيرانية. وأنشأت نفق کوهرنك الأول ونفق كوهرنك الثاني ونفق كوهرنك الثالث (بيركان)، ونفق كلاب ونفق جشمه لنغان، ونفق قمرود لنقل مياه کارون إلى قمرود ونفق خدنكستان، ونفق بهشت أباد وقال الهاشمي: إن إيران قد دشنت هذه الأنفاق لنقل مياه كارون، والدز والجراحي إلى المحافظات المركزية الإيرانية منها أصفهان وكرمان ويزد وقم وسمنان. لقد تم بناء هذه المشروعات لنقل مياه أنهر الأحواز دون علم الشعوب والسكان الأصليين الذين قد بنوا حضاراتهم على ضفاف هذه الأنهر منذ فجر التاريخ الإِنساني. فقد تأثرت حياة الملايين من أبناء الشعوب الواقعة على ضفاف هذه الأنهر نتيجة الانخفاض الشديد في منسوب مياه هذه الأنهر ويموت سنويًا الآلاف من الأحوازيين نتيجة التلوث البيئي الكارثي في هذا الإقليم.
انخفاض منسوب مياه أنهر الأحواز
وأضاف الباحث مهدي الهاشمي أن وتيرة انخفاض منسوب مياه نهر كارون قد ازدادت بحيث كان منسوب مياه نهر كارون 500 متر مكعب في الثانية (في التسعينيات) ووصل إلى 50 مترًا مكعبًا في الثانية في الأعوام الأخيرة وجلّ ما يجري في مصب نهر كارون هو مياه صرف صحي ذات التلوث العالي وليس صالحًا لأي استخدام. كما تصاعد تي دي اس مياه كارون في إقليم الأحواز 500 ميلجرام في المتر المكعب في التسعينيات، إلى أكثر من 2500 ميلجرام في المتر المكعب في الأعوام الأخيرة وازدادت ملوحة مياه هذا انهر (EC) من 500 إلى أكثر من 2800 في الأعوام الأخيرة.
كما أنها تضخ سنويًا أكثر من 200 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي إلى أنهر الأحواز بحيث أكثر من نص هذا الحجم يأتي من المحافظات المشرفة على الأحواز. مما أدى إلى انخفاض منسوب مياه أنهر الكرخة والجراحي والزهرة بحيث أكثر أيام السنة تجف هذه الأنهر جفافًا كاملاً.
تدمير هور العظيم
وأشار الهاشمي إلى أنه كما تقلصت مساحة هور العظيم من 3500 كيلومتر مربع في السبعينيات وهبطت إلى أقل من 200 كيلومتر مربع في الوقت الراهن.
جاء هذا الحدث البيئي الرهيب نتيجة جفاف نهر كارون والمشروعات التي أحدثتها شركة البترول الإيرانية بحيث تم حفر أكثر من مائة بئر بترول وتأسيس مشروع أزاد كان النفطي وتم تقطيع أوصال هذا الهور الحيوي وبناء الطرق وسكك طويلة تسببت في الجفاف الكامل لهذا الهور العظيم.
وأضاف أنه جفاف هور العظيم تسبب في تزايد العواصف الرملية بحيث أصبح جوء إقليم الأحواز ملوثًا بشكل لا نظير له والأحواز أصبحت أكثر مكانًا للتلوث في العالم، وازدادت غلظة الجزيئات في الجو إلى أكثر من عشرة آلاف ميكروجرام في المتر المكعب. حسب الإحصائيات الحكومية الإيرانية في إقليم الأحواز عدد الأيام التي يكون فيها الهواء ملوثًا يفوق الـ300 يوم في كل عام.
الأمطار الحمضية
وأكَّد الهاشمي أنه وخلال الأعوام الأخيرة ونتيجة لتفاقم للأزمة البيئية في الأحواز تزامنًا مع الأمطار الأولى في موسم الخريف يصاب كل عام أكثر من خمسين ألف أحوازي بعوارض التسمم نتيجة استنشاق الغازات السامة المتصاعدة بعد حدوث الأمطار وقد تمتلئ المستشفيات نتيجة مراجعة الآلاف من المصابين لها. فقد تكررت هذه الظاهرة خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
الكارثة الإنسانية في الأحواز:
وأکدت دراسة أجرتها جامعة تشمران الإيرانية في مدينة الأحواز في عام 2010، أن عشرين في المائة من المتوفين كانوا قد لقوا حتفهم نتيجة التلوث الجوي واستنشاق الجزيئات الملوثة للهواء في الأحواز. هذه الدراسة التي تمت من قبل فرع الطب لجماعة تشمران في الأحواز قد شملت 9826 حالة وفاة وأعلنت أن 1718 حالة من الوفيات كانت نتيجة التلوث العالي للهواء في إقليم الأحواز.
وبناء على التقارير الواصلة من مراكز الرصد الجوي الإيرانية في الأحواز، فإن التلوث الجوي في الأحواز ناتج عن وجود الجزيئات بحجم 2 إلى 5 ميكرون، وتسببت هذه الجزيئات في شتى أنواع الأمراض التنفسية وأنواع السرطان. في عام 2015 وصلت كثافة هذه الجزئيات إلى أكثر من عشرة آلاف ميكروجرام في المتر المكعب بحيث تعطلت أجهزة قياس التلوث الجوي عن العمل ووصل التلوث إلى درجات غير قابلة للقياس.
الهجرة من القرى إلى المدن
وأشار الهاشمي إلى أن تجفيف هور العظيم بشكل شبه نهائي تسبب في قطع مصدر حياة أربعين قرية واقعة على ضفاف هذا الهور. فقد أصبحت هذه القرى خالية من السكان بشكل كامل.
كما تم تجفيف انهر كارون والكرخة والجراحي والزهرة أو التلوث الشديد للمياه المتبقية في مصب الأنهر تسببت في الوقف شبة الكامل لعجلة الزراعة في القرى الأحوازية وتسبب في هجرة آلاف الأسر الأحوازية إلى الأحياء الهامشية للمدن أو الهجرة إلى المحافظات الإيرانية الأخرى.
كما منعت السلطات الإيرانية المزارعين العرب في القرى الواقعة في حوض نهر الكرخة من استخدام مياه هذا النهر لغرض الزراعة مما تسبب في إيقاف الزراعة في هذه القرى وتواجه هذه القرى تهديد التغيير الديموغرافي الشامل.
كما المياه القليلة والشديدة التلوث المتبقية في مصب الأنهر الأحوازية في ظل عدم اكتراث السلطات الإيرانية لحاجة القرويين العرب لمياه صالحة للشرب أصبحت تهدد حياة وسلامة آلاف الأحوازيين مما تجبرهم على ترك موطنهم والهجرة إلى المحافظات الأخرى.
موت النخيل في جنوب الأحواز
ولفت الهاشمي إلى أن الملوحة الفائقة للمياه المتبقية في أنهر الأحواز وقلة منسوب المياه لهذه الأنهر تسببت في وصول مياه البحر إلى حقول النخيل الأحوازية في شمال الخليج العربي وتدمرت الملايين من النخيل الأحوازية نتيجة هذه الأزمة البيئية الناتجة عن السياسات الأمنية الإيرانية في إقليم الأحواز.
مطالب بالتعويض والمراقبة الدولية
من جانبه أكَّد المتحدث باسم التيار الوطني العربي الديموقراطي في الأحواز عبدالرحمن الأحوازي أن مطالب الأحوازيين تتركز على ضمان منسوب مياه لا يقل عن 70 بالمائة من منسوب نهر كارون الطبيعي، بحيث تصل المياه الحالية لكافة إقليم الأحواز حتى القرية الأخيرة الواقعة على ضفاف الخليج العربي ووقف كافة مشروعات بناء السدود والأنفاق ووضع كافة المشروعات التي تنقل مياه أنهر الأحواز إلى المحافظات المركزية الإيرانية تحت مراقبة دولية وضمان الحصة المائية الكافية لاهور الأحواز خاصة هور العظيم وهور الفلاحية بحيث تصل مساحة هذه الأهوار إلى مساحتها في فترة السبعينيات وطالب الأحوازيون بوضع آلية فعالة لمواجهة تسرب مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي الفائقة التلوث إلى مصب الأنهر الأحوازية وضمان منسوب مياه كافٍ في 13 نهرًا مشتركًا ما بين إيران والعراق لمواجهة التصحر في شرق العراق والقضاء على ظاهر العواصف الرملية القاتلة ووضع لجنة لرصد المعاناة الإنسانية الناتجة عن الكارثة البيئية في إقليم الأحواز وإجبار إيران على دفع الغرامة للمتضررين والمتوفين وتقبل تكاليف العلاج للمصابين بأنواع الأمراض نتيجة هذه التلوث البيئي الكارثي. ومحاسبة إيران لاستخدامها المياه كسلاح أمني لتغيير التركيبة الديموغرافية في الأقاليم غير الفارسية.
انتظار قرارات المجتمع الدولي
وقال الأحوازي إنه سبق أن شارك في اجتماع الأمم المتحدة بشأن الأقليات في 24 و25 من نوفمبر 2016 في جنيف، الذي يعقد مرة في كل عام من ضمن فعاليات الأمم المتحدة لحماية الأقليات والشعوب. وتأتي أهمية هذا المنتدى في التوصيات التي يرفعها المقرر الخاص للأمم المتحدة بشؤون الأقليات القومية، والإثنية، واللغوية، والدينية، وسائر الأقليات إلى مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة حيث يقوم باتخاذ إجراءات قانونية لحماية الأفراد المنتمين إلى الأقليات كإصدار القرارات وسن القوانين الملزمة بهذا المجال. وحسب النظام السائد في إدارة اجتماعات المنتدى، يحق لمندوبي الدول أن يعترضوا على كلام مندوبي المؤسسات التي تنوب عن الأقليات ويقاطعونها أثناء تحدثهم، لكن في المقابل لا يحق لمندوبي الأقليات أن يقاطعوا حديث مندوبي الدول أو يعترضوا عليهم. ويستغل مندوبو الدول الديكتاتورية والشمولية مثل إيران، والصين، هذه الفرصة لمقاطعة حديث المتكلمين، وكانوا يحظون بدعم ومباركة من قبل مندوبي الدول التي تشاطرهم الرأي مثل روسيا، وكوبا، وسائر الدول الشمولية. واستخدم مندوبي الدول الشمولية هذا الأسلوب اللئيم والخبيث لإضاعة الوقت بغية منع عدد أكبر من التحدث وبالفعل قد ضاع كثير من وقت اليوم الأول جراء الاعتراضات والمساندات التي قدمها مندوبو هذه الدول لبعضهم. وأضاف أن ما كان لافتًا للانتباه الذي يهمنا نحن كأحوازيين هو؛ أن فعاليات الوفد الإيراني في المنتدى تظهر تمامًا مدى تخوف هذا النظام العنصري من هذا المنتدى وأمثاله. حيث حاول أعضاء الوفد المتكون من أربعة أشخاص، أن يعرقلوا حضور وفود الشعوب غير الفارسية من خلال مقاطعة حديثهم وإضاعة الوقت العام للجلسة. ومن الفعاليات الدنيئة والرخيصة التي قام بها الوفد الإيراني كانت سرقة منشورات الشعوب غير الفارسية التي وضعوها على طاولة خارج قاعة الاجتماع، حتى لا تحصل عليها سائر الوفود، في محاولة لطمس الحقيقة متخذين الأسلوب القذر الذي تقوم به دولتهم طيلة التاريخ. كما قام الوفد الإيراني بتوزيع كتيب «للأقليات في إيران «حسب تعبيرهم»، حيث تم تجاهل العرب في هذا الكتيب وعدم ذكرهم، الأمر الذي تم الإشارة والاعتراض عليه أثناء حديث اثنين من المتحدثين الأحوازيين.
وأشار إلى أنه كما جاء في المادة الثانية من مبادئ التيار الوطني العربي الديمقراطي في الأحواز: تتركز على أن الإيمان بأن الإنسان والأرض، أي جغرافيا الأحواز السياسية والبيئة والهوية العربية الأحوازية التي تعد امتدادًا لحضارة عيلام السامية، تعد من المكونات الوجودية لشعبنا وقضيتنا العادلة، بحيث لا يمكن الفصل بينها أو تجاهل أي منها في صراعنا الوجودي مع الاحتلال الإيراني للأحواز، وأضاف أنه وبناء على المادة التاسعة من مبادئ التيار الوطني: «العمل من أجل الحفاظ على العناصر البيئية المصيرية في الأحواز كالأنهار والأهوار، لضمان ديمومة المجتمع الأحوازي»، يسعى التيار الوطني لحماية البيئة في الأحواز كنعصر أساسي في الدفاع عن الوجود العربي في هذا الإقليم المحتل الذي يواجه سياسات التطهير العرقي الهادئة والناعمة.
وأضاف الأحوازي أنه سيستمر التيار الوطني في العمل مع المؤسسات الدولية الحامية لحقوق الإنسان والبيئة، للذود عن حياة أبناء الأحواز الذين أصبحوا ضحية السياسات العنصرية الإيرانية في التدمير الممنهج للبيئة في الأحواز.