د.خالد بن صالح المنيف
منذ قرن غمس المفكر الأمريكي الكبير هنري ثورو قلمه المصنوع من ريش الإوز في محبرة صنعها في بيته بنفسه ثم كتب:
تقاس قيمة الشيء بمقدار الفائدة التي تعود عليك منه، دعني أحدثك بصراحة ستكون حماقة كبيرة إذا أعطينا ما لا يستحق قيمة لا يستاهل مقدارها!.
ثمة أمور نباشرها وحظنا منها الخسارة، سلوكيات فقط تحتاج منا لتأمل بسيط حتى نعيد النظر فيها!
استعن بـ(لماذا) وربما فتحت لك (لماذا) آفاقاً جديدة وعبرت بك أسوارا منيعة واختصرت عليك مسافات طويلة!
دونك بعض الأسئلة والتي قد تجد ما فيها ما ينبه الفكر ويوقظ العقل!
- لماذا تجزع لأمر الغد وهو بيد خالقك ورازقك؟ وعندما يأتي بأي حال لن تستطيع أي قوة إزاحته، فلا تعبر الجسر قبل وصوله وتحمل فوق ظهرك أحمال الغد، ألا تسعك أحمال اليوم!؟
- لماذا تغتم لأمر الأمس الذي ولى وانتهى والفجر ظهر والعصير سكب والنشارة نشرت وقد سبق السيف فيه العذل، لا تتحسر على الماضي الكئيب ، ولاتبك على ما فيه من آلام!
- لماذا تنتقد كل البشر على الدقيق والجليل وأنت تدرك أن كثرة النقد طريق قصير والعداوة نهايته وأن من غربل الناس نخلوه؟
- لماذا تنتقد بقسوة وبأسلوب جاف وبين يديك أدوات أكثر لطفا ورقة ونتائجها أفضل وعواقبها أسلم!
- لماذا تبقى أسيرا لعادة سيئة سلوكية أو عقلية وكأنك بلا حول ولا قوة رغم أن فيك من القوة ما يمكنك من التخلي عن أقوى العادات وأقدمها؟
- لماذا تجعل من طولك أو وزنك أو لون بشرتك حاجزا نفسيا ودرعا متوهما تجاه تقدمك في رحلة الحياة رغم أن الكثير ممن فقد أو نال حظا أقل منك لم يستسلم بل واصل رحلة الحياة بكل ثقة؟
- لماذا تدع المجال لذلك الإخفاق والخبرة القديمة أن تترك أثرا سيئا وبصمة سوداء رغم أن الناجحين بأسرهم لم تعفهم الحياة من ضربات وسياط زادتهم قوة؟
- لماذا تفسح المجال لذلك المريض المعتوه الذي انتقدك انتقادا جارحا أن يعكر مزاجك وأن يفسد عليك يومك وأن يلوث طقسك, رغم أن وجودهم في الحياة أمر طبيعي ومادمت تتحرك جزما ستصوب عليك السهام؟
- لماذا تتدخل في شؤون الخلق وتشارك في الجدل وتدس أنفك بين الوجوه وتزاحم من يمشي بمنكبك رغم أن التعفف عن هذا سيكفل لك راحة نفسية وسكينة وطمأنينة؟
- لماذا تتجرأ على الفتيا وتعتبر نفسك حامي الدين الوحيد وأن الإسلام قائم عليك وتعتقد أن الله لم يهد للحق إلا أنت فتثور على المخالف وتحاول شنق المقصر رغم أنك تنضح عيوبا وتفيض تقصيرا ولم توهب علما كافيا ولا فهما دقيقا للحكم؟
- لماذا تقدم الكل على نفسك وتجعل من نفسك شخصا من الدرجة الثانية تعطي الجميع جهدا مالا حنانا وقتا إلا نفسك! رغم أنك لو قدمتها لتعاظم عطاؤك ولعشت حياة أسعد؟
- لماذا تخوض في الغائبين وتفتري عليهم وتخسر احترامك لذاتك واحترام الاخرين وفوق هذا تهدي للناس حسناتك رغم أن الكلمة الطيبة أو الصمت يرفع قدرك ويعلي مكانتك؟
- لماذا تهدر وقتك في التفكير في موقف مزعج أو في شخص تافه أو في حدث تافه رغم أنك تدرك أن عمرك قصير ووقتك ثمين وأن اللحظات لا بد أن تصرف على ما ينفع؟
- لماذا تعطي الناس وحديثهم ونظرتهم أكبر مما يُستحق؟ لماذا تختزل ذاتك العظيمة في عيون الناظرين وآذان السامعين وأفواه المتكلمين! وكل هؤلاء بشر ناقصون ضعفاء يعتريهم نقص وحيرة وتصرفاتهم ليست كاملة؟
- لماذا تخص المقربين لك ومن يحبك بالأذى بسوء الظن أو برفع الصوت أو باللوم المؤذي رغم أنك لا تملك في هذا الحياة إلا أسرة واحدة وأصدقاء معدودين فكان لزاما عليك أن تراعي مشاعرهم وان تسعى لإسعادهم؟.
فلتجعل من التحسين المستمر مهنة لك وعليك الاشتغال به عبر التأمل والأسئلة العميقة والتوقف عند عاداتك، اجعل من التحسين عادة يومية وعليك الاشتغال به حتى يصبح دأبك المستمر، لتكن أفكارك وسلوكياتك فخمة فاخرة من الدرجة الأولى, حسِّنْ ما تقوم به على نحو دائم، وتذكَّر دائمًا أنَّ هناك أسلوبًا أفضل، وأداء أجمل لكلِّ عادة اعتدتَ عليها؛ فابحثْ عنه! وتأكد أيها الإيجابي أن الوقت والجهد الذي نستغرقه في استدراك أخطائنا وتصحيح عيوبنا أقل بكثير من ذلك الذي نصرفه لتبرير أسباب الفشل.
ومضة قلم
اجعل شمسك تشرق وكُن نبعًا لا ينضب للحب, وانثر ورود الود على كل روح تلتقيها.