فيصل خالد الخديدي
تعيش العلاقة بين المثقف والفنان والمبدع بشكل عام والمؤسسات الثقافية والفنية حالةً من التأرجح، يشوبها الكثير من التذبذب والتناقض. وعادة ما يبدأ المبدع في مرحلة من مراحل مسيرته البحث عن تنظيم مؤسسي، ييسر أمور علاقته مع مجتمعه ومع قرنائه ومع جميع أطراف مجاله الإبداعي؛ لتصل بعد ذلك العلاقة بين المبدع والمؤسسة بعد فترة من العمل والتعامل بين تجاذب وتباعد إلى مرحلة من السخط والتمرد على المؤسسة والتنظيم الذي كان ينشده في مراحل سابقة. ولعل هذا التناقض العجيب والمتكرر في العلاقة بين المبدع والمؤسسة يعود لأسباب عدة، منها ما يختص بالمبدع، وأخرى بالمؤسسة.. فسقف الطموح المرتفع للمبدع وحريته المنشودة عادة ما يصطدم ببطء حركة المؤسسة الثقافية وتعقيدات بنيتها التنظيمية. أيضًا تبني المؤسسة الثقافية توجهًا معينًا يُقصَى عنه وعنها من لا يتماهى مع هذا التوجُّه؛ وهو ما خلق كثيرًا من الشللية داخل المؤسسة أو ضدها. إضافة إلى أن المبدع بطبعه متمرد، رافض للوصاية أو التعطيل تحت أي سبب؛ فيرى أي تنظيم تعطيلاً، وحتمية خدمة المؤسسة له بشكل كامل، بل يحمِّلها تبعات أي تعطيل يراه في المجال الإبداعي حتى لو لم يكن من نطاق صلاحية المؤسسة؛ هو ما يرسم عادة حدود العلاقة بين المبدع والمؤسسة.
الإدارة الثقافية الواعية للمؤسسة هي من يجيد دراسة سيكولوجية المبدع والإبداع، ومعرفة خصائص وميزات كل مجال إبداعي تشرف عليه المؤسسة، وتقبل الاختلاف والتعدد في الرؤى والطرح، وتدعمه، وتجعل من المؤسسة مظلة واسعة، تتسع عباءتها لجميع أطياف الإبداع في انفتاح يجعل المبدع شريكًا في كل شيء بالمؤسسة، ويستشعر أنه جزءٌ من المؤسسة، لا تختلف أهدافه عن أهداف المؤسسة، بل تتكامل وتبني لكلا الطرفين، بل توحدهما في جسد ثقافي واحد وفق عمل مؤسسي منتظم.
إنَّ المؤسسات الثقافية المحلية التي تُعنى بالشأن التشكيلي تعاني من قلة عددها، وضعف مواردها؛ وهو ما انعكس على دورها في خدمة التشكيلي والساحة؛ فظهرت بشكل أقل مما يطمح إليه؛ ما خلق نوعًا من القطيعة بين التشكيلي والمؤسسة، أو الفتور والضعف في العلاقة؛ ما يتطلب الكثير من التقارب والعمل على البناء المشترك بين المؤسسة والتشكيلي؛ ليرتقي العمل المؤسسي بشكل تكاملي.