جاسر عبدالعزيز الجاسر
مثلما أكّد معظم الخبراء والمحللين السياسيين والإستراتيجيين بأن أحد أهم أسباب تمكن تنظيم داعش الإرهابي على مناطق عديدة في العراق وسوريا واستطاعتهم التغلب على القوات العسكرية في المحافظات العراقية بالذات كانت البيئة الحاضنة والمعادية للقوات العسكرية والأمنية، بسبب تعنت تلك القوات ومعاملتها لأهالي المحافظات التي سيطرت عليها من عناصر داعش الإرهابية وجميعها محافظات يقطنها السنة العرب، وكون هذا المكون المهم في العراق والذي يوازي المكون الآخر من العرب وهم الشيعة كونه كان معارضاً للاحتلال الأمريكي وتصدى الكثير منهم للقوات الأمريكية وحتى القوات العراقية التي تحالفت مع قوات الاحتلال الأمريكي، فإن السلطات العراقية وبعد سيطرتها على الوضع وبسط سلطاتها تعاملت مع سكان المحافظات السنية بقسوة، وشهدت تلك المحافظات تجاوزات جعلت أهاليها يضمرون عداءً للقوات الأمنية والعسكرية العراقية، ولذلك عندما اشتبكت تلك القوات مع عناصر تنظيم داعش الإرهابي لم يقدم الأهالي أي دعم للقوات العراقية، بل بعض من السكان كانوا يتمنون انتصار داعش حتى يتخلصوا من تسلط القوات العراقية التي أدى تفشي فسادها إلى ظهور تجاوزات كثيرة منها فرض (الأتاوة) على المواطنين وفرض رسوم للعبور، وغيرها من الجباية التي كانت تستنزف المواطنين رغم ضيق حالتهم المادية. ولهذا، فإن بيئة المحافظات التي كان يقطنها العرب السنة لم تكن متحمساً للعمل مع القوات العسكرية والأمنية الحكومية، ولهذا فقد سهلت الأمور كثيراً على تنظيم داعش، وهو ما أقرته جهات التحقيق التي شكلتها الجهات العراقية سواء من قبل مجلس النواب أو الحكومة.
الآن وبعد أن أوشكت القوات العراقية المشتركة من الجيش والشرطة الاتحادية وبمساعدة ودعم قويين من قوات التحالف الدولي على استعادة الأراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش الإرهابي، والتي أسعدت العراقيين كثيراً، ومنهم لا شك أبناء محافظة نينوى والموصل بالذات الذين وجدوا أن أفعال عناصر داعش أبشع وأكثر قسوة مما كان تفعله القوات العراقية الحكومية، إذ ارتكب تنظيم داعش ما لم يتصوره أهالي نينوى بالذات، فإضافة إلى الانتهاكات غير الإنسانية ارتكب الداعشيون عمليات السبي والقتل والإيذاء مما جعل الجميع يتبرأ منهم.
الآن تكاد نينوى أن تتخلص كلياً من داعش ولم يتبق سوى أجزاء قليلة وبالتحديد مدينة الموصل القديمة التي تتميز بتعلق أهلها وتميزهم الثقافي والديني، ولهذا فإن القلق الذي أخذ يغشى أهل الموصل بعد دخول تشكيلات (الحشد الشيعي) المدينة، وقيام مليشيات الحشد الطائفي بفتح مكاتبها في الموصل، إذ فتحت منظمة بدر وجماعة حزب الله العراقي، وما يُسمى بكتائب أنصار الحق مكاتب لها بواجهة سياسية، في حين تحولت تلك المكاتب إلى مقرات عسكرية مليشياوية أخذت تقوم بالقبض على أبناء الموصل والتحقيق معهم بحجة تعاونهم مع داعش، ويرافق ذلك التحقيق عمليات تعذيب قاسية وتجاوزات أخذت كثيراً من المواطنين، كل هذا يتم تحت معرفة بل وحراسة قوات الأمن العراقية والشرطة الاتحادية التي أقدمت على إخراج عناصر (حراس نينوى) الذين دخلوا الموصل للدفاع عنها، ومع أن عددهم أقل من ألفي مقاتل وهو عدد ضئيل جداً مقارنة بعدد مليشيات الحشد الشيعي، إلا أن القوات الحكومية العراقية أبعدت أبناء الموصل الحقيقيين فيما تكفلت بحماية من قدموا من خارج المحافظات العربية السنية، وهو ما يهدد بخلق بيئة معادية للقوات العراقية والحكومة في بغداد يعيد مخاطر الفترة السابقة.