د.محمد بن عبدالرحمن البشر
العالم بشرقه وغربه، وشماله وجنوبه، لديه قيم مشتركة، لا يختلف عليها باختلاف المكان والزمان، وهذه القيم استمرت على مدار التاريخ، منذ أن تم رفض الإنسان قتل قابيل لهابيل، وأجمعت الإنسانية أن القتل دون وجه حق لا يمكن قبوله بأي مبرر كان، وكذلك الكذب، وأخذ مال الغير، وعدم العدل، والطغيان والظلم، وعقوق الوالدين، وعدم الاهتمام بالأطفال، وغيرها كثير.
واتفقت الإنسانية على المحبة، والعدل، والتسامح، والعفو، والرحمة، وفعل الخير، وبر الوالدين، والحرص على رعاية الأطفال ونشأتهم نشأة صالحة بما يتوافق مع المجتمع، وكذلك الانضباط، والإخلاص في العمل ومساعدة الغير، والعطف على الكبير، وغيرها كثير.
مفهوم هذه القيم تختلف طبقاً للمجتمعات، ففي بعض بلدان العالم ليس مقبولاً الزواج بغير واحدة، بينما يجوز ربط العلاقات بين الجنسين في فترة ما قبل الزواج، كما أن هناك ما يقنن بالزواج بأكثر من واحدة، ويحددها بأربع بشروط محددة، ولأسباب معينة تكون في صالح الطرفين، وهناك من يسمح بالزواج بأعداد غير محدودة، ومنهم من لا يسمح للزوجة بالزواج إلا بعد أن تمر على شيخ القبيلة، فإن رضي بها بقيت لديه، وإلا سمح لها بالزواج.
وكذلك نجد ذلك في القتل والغزو باسم المصالح والعقائد أو العرق، وغير ذلك كثير.
وتطبيق تلك القيم أيضاً وليس مفهومهاً فحسب نجد اختلافاً، ففي الدول التي تحرم الزنا، نجد مع كل أسف من يمارس ذلك، ومن يحرم أخذ المال الحرام نجد من يستحوذ عليه بطريقة أو أخرى، ويبحث عن المبررات لذلك، وهناك من يكذب ويراه جائزاً في حالات معينة.
نجد أيضاً من المجتمعات من يسمح بزواج المثليين، كما نرى مجتمعات تنبذ ذلك وتراها مخالفة تامة للأديان، والقيم والآداب والأخلاق، والفطرة الإنسانية التي جبل الله عليها الناس.
هكذا يتفق العالم على مبادئ ويختلف على المفاهيم، كما يقوم البعض بالممارسات التي لا تتفق مع المبادئ أو المفاهيم، وفيما يبدو أن الإنسان سيظل كذلك، على مر الدهور والأزمان.
المعتقدات السائدة في الشرق الأقصى منها ما هو ناشئ من الشرق كما هي الطاوية والكنفوشيسة، ومنها ما هو وافد مثل الإسلام، والمسيحية والبوذية، وقليل من اليهودية. وظلت هذه الأديان والمعتقدات تتمازج لصنع حضارة الشرق، مع ما هو موروث من قيم أخرى، إضافة إلى ذلك هناك من لا يدينون بدين ولا عقيدة، ومع هذا فقد كان التعايش في تلك البقاع سائداً عبر العصور، وربما يعتريه بعض الأحداث بسبب سياسي أو مصلحة عابرة لا تعدو أن تمر مرور الكرام.
الشرق الأقصى له الكثير من المفاهيم في الطب والدواء والغذاء ومواقيت الأكل، وطريقة إعداده وتناوله. كما يختص بشرب الشاي وله طريقته في إعداده وتقديمه للضيوف.
الشرق الأقصى لديه مفاهيم للعمل، فهو يكدح بلا ملل، ويستطيع أن يستوعب أي تقنية جديدة فيقوم بصنعها والإضافة عليها بما يراه مناسباً، والمواطنون في الشرق الأقصى يحترمون المواعيد، ويلتزمون بها وحتى مواعيد النوم والاستيقاظ، وأهم من ذلك مواعيد الأكل، فهم في الغالب يفطرون الساعة السادسة صباحاً، ويتناولون طعام الغداء الساعة الثانية عشرة، والعشاء الساعة السادسة بعد الزوال، وليس من عادتهم تناول أي غذاء في المساء.
الذي قد لا يعرفه البعض أن الشرق أجناس مختلفة ذوو أصول متباينة، فهناك منهم صينيو الأصل مثل قبيلة خان الصينية التي تشكل أكثر من خمسة وتسعين في المائة من الشعب الصيني، ومنه كانت الهجران إلى كوريا واليابان وفيتنام، فهم جنس واحد، وقد انتشر البعض الآخر في الدول المجاورة، فشكلوا معظم شعب سنغافورة، وعدد منهم كبير في ماليزيا، وإندنوسيا، وتايلاند، والفلبين، أما شعب الفلبين وكذلك الملاوي، والتايلاندي، فجميعهم شعوب ذات أصوال مختلفة.