زكية إبراهيم الحجي
من المعروف أن أول جريمة على الأرض كانت القتل.. جريمة حركها الحقد وألهب نارها الحسد.. ومن المفارقات في هذه الجريمة أن يكون القاتل والضحية إخوة وأن يبعث الله غراباً ليعلم القاتل كيف يواري سَوْءَة أخيه.. وبعد مرور آلاف السنين على تلك الواقعة ظهرت دوافع جديدة للعنف وجرائم القتل خلفت وراءها مشاهد بشعة يندى لها جبين الإنسانية رغم أن القرآن الكريم جرَّم فاعلها وغلظ في النكير عليه.. السؤال لماذا تبقى ظاهرة العنف وجرائم القتل سمة من سمات بعض البشر.. وما هي أسبابها وحواضنها التي تغذي استمرارها حتى باتت تأخذ منحنى خطيراً بأن يكون القاتل والضحية من أسرة واحدة.
مشاهد صادمة دامية تلك الجرائم التي تقترف في إطار الأسرة الواحدة حيث طال القتل الأصول والفروع وذلك أمر لم نعهده من قبل في مجتمعنا.. أم تقتل ابنها زوج يعتدي على زوجته.. أب يقتل ابنه وأخ يطعن أخاه فهل أصبحت الأسرة مصدر تهديد لأي فرد من أفرادها.
رغم تعدد العوامل المؤدية إلى العنف وجرائم القتل إلا أن منطلقه الأساسي هو غريزة العدوان المتفاوتة في قوتها بين إنسان وآخر وهي غريزة يتأثر أسلوب التعبير عنها بظروف متعددة منها غياب الوازع الديني وانعدام الضمير.. ثقافة الأسرة والإعلام بما يعرضه من أفلام ومسلسلات جلَّ محتواها عنف وجرائم قتل يدمن على متابعتها غالبية الفئات العمرية ما يدفعهم لتقليد هذه المشاهد وتطبيقها على بعضهم البعض، ولو من باب الدعابة ومع مرور الوقت تبقى راسخة في أذهانهم.. كذلك تكرار عرض مشاهد القتل وجزِّ الرؤوس الذي تمارسه المنظمات الإرهابية مثل داعش وغيرها ناهيك عن لهث كثير من الآباء والأمهات في الركض خلف الحياة المادية مما أفقد الأسرة الكثير من خواصها الاجتماعية وبالتالي أدى ذلك إلى الانسلاخ عن العديد من القيم الأخلاقية الإسلامية.. كذلك لابد من الإشارة إلى دافع هو في غاية الأهمية ألا وهو الدافع الاقتصادي الذي قد يحاصر الأسرة ويكون سبباً من أسباب ترمي إلى ضرب من ضروب العنف والاعتداء المنتهي بالقتل.
أن يقتل ابن أمه التي حملته على كتفيها واحتضنته بين ذراعيها، أو يزهق روح والده الذي كدَّ وجد من أجل أن يؤمن له لقمة العيش أو يقتل أب فلذة كبده فتلك من أبشع الجرائم التي لا تقبل التبرير أو الصفح والغفران.
السلامة والأمن الأسري من أولويات التكاتف في الأسرة وجرائم الاعتداء والقتل في محيط الأسرة الواحدة لا نريد أن تتحول إلى ظاهرة تهدد كيان المجتمع برمته؛ لذلك فالتصدي لهذه المشكلة لا يقتصر على طرف دون آخر وإنما يتطلب جهود كل الفاعلين في المجتمع من سلطات معنية وأئمة مساجد ووسائل الإعلام وتربويين وذوي الاختصاص في علم النفس والاجتماع.. عليهم أن يتداركوا الأمر قبل أن تستفحل المشكلة ويصعب علاجها.