د.عبدالرحيم محمود جاموس
في أمسيتنا الثقافية التي تعقد في مجلسنا مساء كل خميس، وفي أمسية الخميس الفائت 3/ مارس - آذار الجاري، كان أحد الحضور الذي فاجأني بحضوره مبكراً هو الأخ الأستاذ هشام دبسي وبصحبة أخ عزيز لبناني، ومنذ اللحظة الأولى لاستقباله كانت الكيمياء الأخوية والسياسية والوطنية، قد شدتنا لتذكر الماضي الذي زاد على أربعة وأربعين عاماً، يوم كانت دمشق حاضنة العمل الوطني الفلسطيني بداية سبعينيات القرن الماضي، لنتذكر الأخوة والرفاق في اتحاد عام طلبة فلسطين، وأعضاء الهيئة الإدارية البارزين في تلك الحقبة وهم أصدقاء مشتركون نذكر منهم، ياسين جابر أبوالوليد، روحي فتوح، وليد الشيخ، عبد الفتاح غانم، سالم غنام، محمد خليفة، وآخرون كثر ينتمون للفصائل الفلسطينية المختلفة التي كان يتوزع عليها الشباب الفلسطيني، وكان يحكمهم حينها التنافس في العمل من أجل فلسطين سواء من خلال الفصائل والتنظيمات التي ينتسبون إليها، أو من خلال الاتحاد العام لطلبة فلسطين بفروعه المنتشرة في مختلف الدول العربية والأجنبية، يوم كان اتحاد الطلاب الفلسطينيين مدرسة ثورية، وقاعدة أساسية من قواعد م.ت.ف، تتجسد فيه الوحدة الوطنية الفلسطينية بأرقى وأنقى أشكالها، وبعد أن بدأت الأمسية وكان موضوعها ((فلسطين بين الملاك والممالك إلى أين؟)) وقد افتتحت الأمسية بعرض موجز للتطورات السياسية العامة للأوضاع العربية ومنها الفلسطينية، والمرور على تاريخ الصراع المعاصر بين الوطنية الفلسطينية والحركة الصهيونية، والتغيرات التي طرأت على وسائله وآلياته، تحدث الأخ حسني المشهور الكادر الفتحاوي المخضرم، بإسهاب وتفصيل عن جدلية الصراع وعلاقة الملاك وهم دول المركز، والممالك وهم دول المحيط، وبين أن الحركة الوطنية الفلسطينية ((أنها قد أنهت معركتها مع الممالك (دول المحيط) وأنها قد أنهت عصر الوصاية لدول المحيط عليها))، وأن ما نراه من تدخلات اليوم إقليمية ومن دول المحيط بالشأن الفلسطيني، ما هي إلا محاولات يائسة وبائسة لبعض هذه الدول تهدف إلى التأثير في القضية الفلسطينية، لمقايضتها مع الملاك في حساباتها الخاصة، وقد خلص إلى أن المعركة الوطنية الفلسطينية تدور اليوم مع الملاك (دول المركز) ويقصد بها تلك الدول صاحبة المشروع الصهيوني، وهي الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، تلك الدول المسؤولة عن صناعة المشروع الصهيوني، وعن النكبة والقضية الفلسطينية، وبالتالي عن تحديدستقبل الكيان الصهيوني، وحل القضية الفلسطينية لا بد أن يتم مع هؤلاء الملاك أصحاب المشروع.
وخلص إلى أن الوطنية الفلسطينية ممثلة بـ م.ت.ف قد قطعت شوطاً كبيراً في فرض الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني على هؤلاء الملاك، وما يجري اليوم هو المساومة على حجم هذه الحقوق.
وكعادتنا في الأمسية الثقافية، يتاح لجميع الحضور المشاركة والمداخلة والإدلاء بالرأي في الموضوع محل البحث أو الأمسية، وكانت هناك مداخلات جد قيمة من جميع الأخوة أغنت الأمسية، وأوضحت الإشكالية محل البحث، لكنني سأتوقف عند المداخلة التي تقدم بها الأخ هشام الدبسي الصديق والزميل القديم والتي كانت مداخلة مميزة ونوعية، تناولت الخطاب السياسي والإعلامي لحركة «فتح» ولـ م.ت.ف بشكل عام حيث انتقد الخطاب السائد ووصفه، بالانفصام بين خطاب الفصائل من جهة، وخطاب م.ت.ف والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، حيث تركز «فتح» والفصائل على اللغة القديمة في خطابها السياسي والإعلامي ولم تستطع أن تجاري جملة التغيرات المحلية والقومية والدولية، وتقدم خطاباً سياسياً وإعلامياً أكثر واقعية وقرباً من الواقع ومن الجيل الجديد، فهي تعيش في ثوب خطاب سياسي قديم وماضوي ولم يعد يتناغم مع الواقع ولا يتجاوب ومتطلبات الجيل المعاصر، في حين أن السلطة و م.ت.ف تقدم خطاباً سياسياً وإعلامياً أكثر واقعية وقرباً من الجيل المعاصر، وبناءً على ذلك طلبت من الأخ هشام أن يزودنا بمقترحاته وملاحظاته حول بنية الخطاب السياسي والإعلامي الفتحاوي الذي يتوجب أن يكون عليه الخطاب حتى يقدم رسالته بصورة أقرب إلى الواقع وإلى الجيل المعاصر، وتحريره من القوالب الماضوية القديمة، التي سادت عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهنا أقدم مقترحاته كما وصلتني منه مكتوبة دون زيادة أو نقصان:
((مقترحات في بنية الخطاب السياسي الفتحوي
يحتاج الخطاب الفتحوي إلى تحديث يساعد على التقريب والانسجام أكثر مع خطاب المنظمة والسلطة الوطنية ويجسر بين لغة التحرر الوطني ولغة الاستقلال وأساليب النضال المعتمدة من أجل إنتاج موقف هجومي صلب يعبر عن خياراتنا السياسية بعيداً عن التبرير والدفاع.
ثانيا - ضرورة التركيز على المستقبل وعلى الاحتياجات الملحة والأولويات السياسية بما هي دليل وخريطة طريق من ردم الفجوة مع الجمهور وخاصة الفئة الشبابية الأكثر وزنًا.
ثالثًا- أهمية ربط الأهداف بالوسائل والإمكانات بأسلوب يبين علاقة خياراتنا السياسية بنظام المصلحة الفلسطينية وتبيان تشخيصنا لنظام المصلحة بواقعية وحقائق صلبة.
مقترحات في بنية الخطاب الإعلامي:
يمكن تحديث الخطاب الإعلامي بدراسة كل مصطلح والتدقيق بالجملة الإعلامية ومدى قربها من المعايير المهنية المعتمدة في الإعلام الحداثي ومدارسه المعاصرة.
ثانياً- أهمية تعريف الفئات المستهدفة إن كانت فلسطينية أو عربية أو أجنبية بما فيه الإسرائيلية من أجل بناء وسائل إعلام متخصصة وإنتاج خطاب مدروس وعقلاني.
ثالثاً- إطلاق حرية المبادرة الإعلامية من أجل تجاوز أسلوب إعلام القطاع العام النمطي بالاستناد إلى تطوير رؤية بانورامية حاضنة وديمقراطية تؤمن الفاعلية والالتزام.
رابعاً- إلى جانب المهنية والتخصص يلزمنا إنتاج سرديات إنسانية متنوعة قادرة على تجاوز الإعلام التعبوي والشخصاني وتجاوز النمطية المعتمدة على ثلاثية/ الحق/ الضحية/ المؤامرة/ من أجل سردية متنوعة قادرة على النفاذ لأذن وعين الفئة المستهدفة عبر كافة أشكال الفنون المعاصرة)).
وهنا لا يسعني إلا أن أتقدم إلى الأخ هشام الدبسي الباحث ومدير مركز تطوير للدراسات والزميل والصديق القديم بجزيل الشكر والتقدير له على هذه الرؤية وعلى هذه المساهمة في تطوير الخطاب السياسي والإعلامي الفلسطيني بشكل عام.
أخلص إلى خلاصة تؤكد على ضرورة مراجعة الخطاب السياسي والإعلامي لحركة «فتح» خاصة ولمختلف الفصائل الفلسطينية ولـ م.ت.ف والسلطة الوطنية الفلسطينية، للخروج من النمطية التي لم تعد تتوافق وجملة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية السياسية والتقنية، في ظل سيطرة وسائل السوشل ميديا، ومراكز البحث العلمي المتطورة، وأثرها على فئة الشباب وجيل المستقبل، الذي يحب أن يتوجه إليه الخطاب السياسي والإعلامي أولاً وأخيراً.