من نعم الله سبحانه وتعالى على مجتمعنا توافر الغذاء من مأكل ومشرب.. أصناف يعجز المرء عن حصرها وتعددها، جُلبت من أقطار الأرض كافة، وقد حُرم بعض سكان الأرض منها. وفي مقابل ذلك نجد مظاهر الهدر في الغذاء الذي أضحى سمة بارزة لدى المستهلك في المجتمع المحلي؛ إذ يصل الهدر في السعودية من الغذاء إلى (30 %) سنويًّا بمعدل (250) كجم للفرد. وهذا - بدوره - يمثل عبئًا اقتصاديًّا نظرًا إلى الاعتماد على استيراد الغذاء بشكل رئيسي.
فالفرد السعودي أضحى أسيرًا لنمط استهلاكي غير منظَّم حتى اكتسب الوافدون هذا السلوك السلبي في المجتمع المحلي؛ الأمر الذي يتطلب حلولاً جذرية لهذه الظواهر السلبية للحفاظ على النعمة التي وهبها الله لبلادنا، وعدم الاستهانة بإلقاء هذا الفائض الكبير في حاويات النفايات امتثالاً لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. وعاقبة الإسراف والتبذير وعدم شكر النِّعم هو الخوف والفقر من بعد غنى، والتفرُّق والشتات. وحتى لا نصل إلى هذه المرحلة فإننا نتطلع إلى أن تقوم الأجهزة والهيئات ذات العلاقة بوضع خارطة طريق، تهدف إلى معالجة هذه الظاهرة من المنبع.
إن أحد أهم مصادر الهدر في الغذاء هو محال إعداد الوجبات «المطاعم» بفئاتها كافة.. ولتكُنْ البداية ببرنامج الحد من الهدر في الغذاء عبر هذه المحال التي تخضع لرقابة وأداء مؤسساتي من قِبل أجهزة الدولة.
وعلى ضوء ذلك يتم تشكيل لجنة، تضع معايير لحجم استهلاك الفرد، وهذا بدوره سوف يخفض كمية متبقيات الوجبة بعد الانتهاء من الطعام.
المطاعم لا يعنيها في الأمر شيء، سواء تناول المستهلك الوجبة كاملة أو ألقى نصفها في الحاوية؛ لذا يجب تحديد المعيار المناسب لكل أنواع الطعام، على أن يقابل ذلك خفض للسعر، والزيادة في حجم الوجبة ترتفع نسبيًّا حسب الطلب.. وهي نماذج موجودة في العديد من دول العالم.
الأمر يحتاج إلى إرادة وإدارة فعّالة من قِبل أجهزة البلديات والصحة والتجارة ومؤسسات حماية البيئة وإدارة الموارد.. فالمجتمعات النامية تحتاج إلى الصبر والجهود لتعليم الأفراد الأنماط الاستهلاكية الجيدة، وأن تخضع للرقابة والجزاءات للمخالفين. كما أنه ليس من المنطق أن يصاحب الاستهلاك العشوائي تحويل الهدر إلى أعلاف حيوانية؛ ذلك أن هذه المنتجات مخصصة للاستهلاك البشري، ويتم العناية بها من حيث جودة عناصر بيئة إنتاجها، كالماء والتربة والطاقة وما استُهلك في إنتاجها من أسمدة ومبيدات ونقل وتخزين وتجهيز.
كما أن برامج حفظ النعمة وتوزيع متبقيات الطعام على الأسر المحتاجة قد لا تناسب الأنواع كافة؛ إذ إن شروط السلامة الغذائية تمنع ذلك، كفساد بعض الأغذية بعد التجهيز بساعتَيْن.
أحيانًا مطاعم الوجبات السريعة تعمل على تقسيم الوجبة؛ إذ تبدأ الأسعار للوجبة بدون إضافات، ومن يطلب زيادة يدفع أكثر. أحد المطاعم المعروفة في دبي - وهي بيئة مشابهة للمستهلك في دول الخليج بصفة عامة - قام بدراسة على نسبة الهدر في كل وجبة، التي بلغت بين (20 - 30 %) لكل وجبة، وهو مطعم يقدم البوفيهات المفتوحة متوسطة الأسعار، وجميع الفائض يرد إلى الحاويات في النهاية نظرًا لانعدام ثقافة ترشيد استهلاك الغذاء؛ فالصحة مسؤولة عن تحديد حجم احتياج الفرد في الوجبة الواحدة، وتحديد المعايير اللازمة لاستخدامها في تقديم الطعام.. والتجارة مسؤولة عن توعية المستهلك، والبلديات لديها سلطة التطبيق وفرض الجزاءات على المخالفين.. ومع قياس حجم النفايات وأنواعها بالفرز من كل مطعم للمراقبة والتقييم ونشر ثقافة الاستهلاك عبر وسائل الإعلام؛ لتكون حماية هادفة لترشيد الهدر في استهلاك الغذاء من أماكن تجهيزه للمستهلك.
وعلى ضوء ذلك فإن أولويات تنفيذ مبادرة الحد من الهدر الغذائي في المطاعم تتمثل فيما يأتي:
- وضع معاير لأحجام العبوات الاستهلاكية التي يوضَّح فيها الطعام داخل المطعم، أو للطلبات الخارجية، سواء للفرد أو للمجموعة الخاصة بأواني الولائم الكبرى؛ فيتم خفض كمية الطعام من الأرز والمكونات الأخرى بجوار اللحوم التي توضع في المنتصف، ولا يتم وضعها فوق الأرز والمكونات الأخرى.
- تشكيل لجنة من الأجهزة ذات العلاقة لتحديد المعايير لأواني الاستهلاك وأنماط تقديم الوجبات وتقدير احتياجات الفرد للوجبات والترشيد بوسائل الطهي المقننة للاستهلاك وآلية التخلص من بقايا الأطعمة.
- تنفيذ برنامج إعلامي وفق استراتيجية قصيرة المدى للتوعية والتثقيف بالمبادرة، وإشراك العلماء والنخب كافة في المجتمع للتوعية بأساليب الاستهلاك ونتائج الهدر والإسراف من الناحية الشرعية والاقتصادية، ونشر مفاهيم السلوك الحضاري للاستهلاك حتى تصبح مظاهر الهدر صورًا ذهنية لا يقرها غالبية المجتمع، ويتم استخدام وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي كافة لتفعيل هذا النشاط.