منذ أيام نشرت إحدى صحفنا مقالاً بعنوان (دمج ذوي الإعاقة)، قال فيه كاتبه: «سعت وزارة التعليم منذ سنوات إلى دمج الطلبة ذوي الإعاقة من فئة الصم والمكفوفين والإعاقة الفكرية والحركية، وكذا التوحيديون وذوو صعوبة التعلم وفرط الحركة وغيرهم، مع مدارس التعليم العام مع أقرانهم الطلبة العاديين في فصول تلبي احتياج كل فئة منهم بناء على قدراتهم واحتياجاتهم على عكس ما كان معمولاً به سابقًا من إهمال تقديم الخدمات لهم، أو تقديمها بشكل منعزل في مراكز ومعاهد خاصة لكل فئة». وقال: «إن عملية الدمج من أنجح البيئات التي تمكنهم من التعلم، إلا أنه ينقصنا إعادة إجراء دراسة تقييمية لتحديد الإيجابيات والسلبيات»... الخ.
حقيقة، إن الدمج المقصود لذوي الاحتياجات الخاصة متوافر في البيئة على أشكال عدة؛ فالدمج في وطننا متوافر لهؤلاء بين الجيران وفي المساجد وفي الأعياد والأفراح والمناسبات الخاصة وفي الصلوات الخمس، إضافة إلى صلوات الجُمَع والأعياد والكسوف والخسوف والاستغاثة وفي الأسواق والمنتزهات.. ما يعني أن الدمج في التعليم تحصيل حاصل، وأن من جلب لنا الدمج في التعليم من أمريكا، وأكد نجاحه، وأن تطبيقه في بلادنا سيفيد الأبناء، لم يصب الهدف؛ إذ إنه نسي أن الدمج في أمريكا مقتصر على المدارس فقط؛ فلا مناسبات لديهم تجمع الأصحاء مع المعاقين غيرها كما يوجد لدينا في المسارات التي ذكرتها. وحقيقة، إن عملية الدمج في تعليمنا، التي عدَّدها الكاتب، لا تساوي 5 % من الدمج الطبيعي بين أبناء الجيران أو في الصلوات المفروضة وخلافها، بل إن عملية الدمج المطبَّقة في التعليم اليوم ضيّعت على ذوي الاحتياجات الخاصة الاستفادة الكاملة من أجهزتهم ومعداتهم الخاصة بهم التي كان من الواجب استخدامها في مدارسهم ومعاهدهم الخاصة بهم.. وسيقول أحدهم كما قال العرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان:
أضاعُوني وأيَّ فَتىً أضاعوا
ليوم كريه وسدادِ ثَغــرِ
وخـلوني لمعترك المنايا
وقد شرعت أسنتها بنحري
وما دمجهم مع الأصحاء إلا تشتيت لتحصيلهم.. وبغض النظر عن ذوي الاحتياجات من (الصم والبكم والعميان والمشلولين سليمي العقل) فإن وجود الآخرين (من ذوي المشكلات الذهنية) مع الأصحاء يزيد من المفارقة بين الاثنين بسبب سوء منظر بعضهم، كمن يسيل مخاطه على شفتيه، أو تسيل السوائل من فيه على ملابسه، أو تتقلب عيناه، أو ترتعش أطرافه ورأسه.. ولا شك أن تلك المناظر تزيد الأصحاء بعدًا عن هؤلاء، بل تبعث على الكره لهم. أما من هم سليمو العقل كالمشلول والأصم والأبكم والأعمى فهؤلاء حقيقة لا ينطبق عليهم وصف (معاقين أو ذوي احتياجات خاصة)؛ فكم برز من الصم والبكم من مخترعين وفنيين عالميين.. وكم برز من المشلولين والعميان من العلماء الأفذاذ جازمًا أننا بعد لم ننسَ من تخرّج من فاقدي البصر من المعاهد العلمية وكذلك من كليات الشريعة واللغة (أيام وجود رئاسة للكليات والمعاهد العلمية فيما قبل التسعينيات) من علماء وقضاة ومدرسين، بعضهم لا يزال في القضاء والتدريس إلى اليوم؛ لذا أقول، والعود أحمد: أعيدوا هؤلاء إلى ثكناتهم، ولا تأخذكم العزة بالإثم؛ فكل ما يقال عن نجاح الدمج غير صحيح، بل هو ذر للرماد في العيون، وتغطية للفشل.. ويشهد على ذلك الكثير من مدرسيهم ومجاوريهم، وإن كانوا لا يستطيعون البوح بذلك على رؤوس الأشهاد.. ولنتذكر معهد النور بالرياض الذي أنشأه الأستاذ عبد الله الغانم - رحمه الله - وهو أول معهد للمكفوفين، وتولى إدارته سنين، يشهد على نجاح تعليمهم بلا دمج، بل هو نجاح منقطع النظير.
ولا أقول ما قلته عن مساوئ الدمج من فراغ، بل من تجربة وممارسة فعلية؛ فقد عانيت من ذوي الاحتياجات وأنا طالب؛ فكنت وغيري من الطلاب نفر من البعض من هذا الصنف.. وشهدت وعانيت منهم وأنا مدرس فرار الطلاب من أولئك، وعانيت وأنا أب من ولاية من كان عندي؛ وبذا أيقنت بفشل الدمج المعمول به حاليًا في التعليم، وأحذر منه اليوم وغدًا وبعد غد.. علمًا بأنني من أول من عارضه حينما أُقرَّ عام 1425هـ، وأبديت رأيي عبر هذه الصحيفة بتاريخ 10 - 6 -1425هـ، وبتاريخ 18 - 7 - 1425هـ. وبالله التوفيق.