عبدالوهاب الفايز
الملتقى الدولي السنوي لقطاع الاتصالات في برشلونة كل عام يقدِّم التطورات والاتجاهات الجديدة في قطاع الاتصالات، وهذا العام أصبح (المحتوى) هو سيّد الموقف، أو كما جاء في عنوان إحدى الجلسات الرئيسية: هو منجم الذهب! وهذا يعني أن شركات الاتصالات إذا أرادت البقاء وتجنب الفناء، الدخول القوي في إنتاج المحتوى وتسويقه.
قبل ثلاثة شهور عندما قدّمت شركة الاتصالات الأمريكية AT&T عرضاً لشراء عملاق الترفيه (تايم ورنر) بقيمة 80 مليار دولار، كان الحدث الكبير الذي هزَّ قطاع الاتصالات في العالم، ودعم رأي الخبراء منذ سنوات عن ضرورة توجه شركات الاتصالات إلى صناعة المحتوى، لأن التطور التقني المتسارع يجعل الآن الاتصالات الصوتية وتبادل المعلومات بالمجان بين الناس. بهذا الوضع، كيف سيربحون؟
التطورات التقنية حتى نهاية القرن الميلادي الماضي كانت تمضي بهدوء، وكانت المنتجات والاختراعات التقنية تضيف إلى سابقاتها ولا تلغيها، ولكن مع نهاية العقد الأول من هذا القرن شهدنا بروز ظاهرة disruptive technology ثم ظهور disruptive innovation، والأخيرة تعني ذهاب الاختراع والتقنية المصاحبة له. ومثل هذه التطورات التقنية كان أول الخاسرين منها منتجي النفط، فالتطورات التقنية، التي رفعت القيمة المُضافة لكل برميل نفط، اقتطعت حصة سوقية غير مستردة للمنتجين، وهذا الذي تفعله التقنية في قطاع الاتصالات.
فِي المعرض والمؤتمر الأخير في برشلونة رأينا اندماجاً مذهلاً للعلوم ينتج عالماً افتراضياً تتوسع تطبيقاته الرقمية في حياتنا كلها، والذي كنا نضعه في إطار الخيال العلمي قبل عشرين عاماً في الجزء الثاني من الفيلم السينمائي (Back to the future 2)، رأينا جوانب عديدة منه في الملتقى الأخير، وقنوات الأفلام والبرامج العلمية المتخصصة تعرض بتوسع تطبيقات هذا العالم القادم.
ما يهمنا هو أن تكون (شركات الاتصالات) في المملكة مستعدة لهذه التحولات، فلا يمكن أن نتحدث عن تحول اقتصادي نوعي يتمتع بحيوية الاقتصادات الحديثة ولدينا قطاع اتصالات متخلّف، فاقتصاد المعرفة يقوم على بنية رقمية متميزة، والخدمات الحكومية الرقمية التي نحتاجها لخفض مستدام في نفقات القطاع العام ولرفع شفافيته، ولمحاربة الفساد واستغلال النفوذ، وأيضاً لتكريس الانتماء الوطني، ولتوسيع فرص العمل، كل هذه المكتسبات الوطنية العديدة بيدنا تحقيقها.
وإحدى الآليات لتحقيقها نجده في حيوية الاتصالات للاقتصاد الوطني، وإيجاد هذه الحيوية يتطلب تبني الحكومة توجهاً إستراتيجياً يقوم على تبني الاستثمارات الرأسمالية في القطاع، أي تطوير الشبكات، وتنسيق الخدمات عبر إيجاد شركة تتولى الخدمات المتشابهة. وإنفاق الحكومة على الاتصالات استثمار في الاقتصاد الكلي، فاستثمارها بمقدار 10 بالمئة سنوياً يؤدي إلى توسع إجمالي الناتج المحلي GDP بما يقارب 1.5 بالمئة، حسب تقديرات البنك الدولي.
ودخول الحكومة ضروري حتى تتفرَّغ شركات الاتصالات لتنمية الخدمات وتقديم الحلول الرقمية، والتوسع في الأبحاث والتطوير، وصناعة المحتوى، وتنمية الموارد البشرية.
هذه قضية مجلس شؤون الاقتصاد والتنمية وذراعه، صندوق الاستثمارات العامة. نأمل أن يأخذها بالاهتمام الذي تستحقه، فلا نريد أن يتراجع قطاع الاتصالات ويخسر سوقه، كما تراجع وخسر سوقه، وربما مستقبله، قطاع الإعلام!