أمل بنت فهد
أتعرف إنساناً من الوفاء أن يبقى معك أبد الآبدين.. إنساناً تراهن عليه تأكيداً وثقة بأن لا يتركك في منتصف الطريق.. حتى في وجه الموت والمرض.. يبقى معك ويرحل معك.. قطعاً لا أحد يمكنه أن يكسب هذا التحدي.. إلا شخص واحد.. إنه أنت ذاتك.. نفسك التي تعرفك بكل ما فيك.. وتتحمّل حماقاتك.. في الحرب والسلم.. في الصلاح والفساد.. في الصدق والكذب.. في كل تناقضاتك.. نفسك معك.. لا تتركك.. لا تتخلَّى عنك.. ولدت بك وتموت معك.
هذا لا يعني أن تتوقف عن الحب.. أو الثقة.. ولا تنهى قلبك عن حسن الظن.. بل أحبب.. وتعرّف على الآخر.. وعش معه ما استطعت من المتعة.. واقطف من الوقت ساعات طوالاً من الرفقة.. والمشاركة.. لكن إياك أن تتكئ بكل ثقلك على علاقة قد تتلاشى لأي سبب كان.. حينها يكون السقوط مدوياً.. مؤلماً.. لأن تلك العلاقة تطل على جرف سحيق.. ألمه لا يُطاق.. ففي كل الأحوال ستشعر بالخيبة.. بالترك.. بالوحدة.. ستشعر بأنك خُذلت.. خُدعت.. وأصعب السقوط حين تكون غافلاً تماماً.. تحطّم لن يسمعه غيرك.. وتكسّر يغمر جوفك.
لذا كُن غنياً بعلاقتك مع نفسك حتى لا تتعرض لإفلاس عاطفي مع ضعف الآخرين.. ورحيلهم الذي ليس له موعد.. ولا شكل محدد.. ولا لون.. عدا فراغ يلفك بألف حبل لا يسمح لك بالموت.. ولا ينفك عنك.
من لا يستمتع مع ذاته.. سيشتكي الفقد مليون مرة في حياته.. من لا يستطيع أن ينصت لحديث نفسه بمتعة.. لن تطربه أصوات الراحلين.. من يشعر بالوحدة فهو في وحشة مع نفسه.. ولن تسليه أحاديث الآخرين.. ورفقتهم مجرد تمضية وقت وأحياناً إدمان فقد متعة المرة الأولى.
تلك الوجوه العابسة.. والأجساد المعتلة.. والجوارح المضطربة.. تحكي قصة غربة الذات.. غربة مساحتها جسد وعقل.. كلاهما في خصام لا ينتهي.. ولو تعلَّم الإنسان كيف يأنس بنفسه لتعلَّم كيف تكون الخلوة بالذات من تجليات المتعة التي لا يستطيع الهارب إلى الضجيج أن يفهمها.. فالهدوء والصمت مواجهة لا يقدر عليها.. ولا يطيقها.. إنه صوت الهدوء الذي يأتي بالذات وجه لوجه.. صوت تعيش معه أجمل أحلامك.. أو تعيش فيه أبشع كوابيسك.. علاقتك بذاتك تحدده.