فوزية الجار الله
إن كنت كاتباً تحيا بإحساسك، ويخفق قلبك أحياناً على صدى تلك الأصوات حولك باختلافها سواء كانت تنتمي لفصيلة البلابل أو الغربان، فسوف تجد ذاتك محكوماً بتلك الأطياف ملزماً بأن تكون منتمياً لها وعليك اختيار الأقرب للحق والحقيقة التي تسكنك.
إن كنت كاتباً دؤوباً مخلصاً للقلم فسوف تسكنك عشرات الأسئلة التي تناجيك ليل نهار ولابد لك من بحث عن إجابة شافية: هل تكتب ما تريد أم ما يراد لك أن تكتب؟! هل تبوح بما يؤرقك حقيقة أم أنك تبحث عن درب الهدوء والسلامة أو كما نقول باللهجة المحلية الدارجة (تباري الساس)!
هل تكتب معاناة تخصك أم أنها ضرب من خيال؟!
الأمر لا يبدو واضحاً بمنتهى البساطة في عالم متحضر تسوده القوانين المختلفة بما فيها الإعلامية والصحفية وتتحكم بمساره أخلاقيات المهنة وعادات المجتمعات وتقاليدها وأعرافها المتوارثة.
إن كنت كاتباً تؤرقك الحقيقة وتستغرقك اللغة وتأسرك عذوبة الكلمات فسوف تواجه كثيراً من المواقف التي تخصك وحدك، على سبيل المثال قد تجد نفسك محاصراً بذلك الموقف وأنت على عتبة الكتابة.
فقد تجد ذات لحظة أن فكرة ما قد احتلت ذاكرتك وهي في حد ذاتها تنتمي إلى قضية شائكة متشعبة ينبغي البحث حول خلفيتها وجذورها عندها يأخذك البحث عن أعمق وأصدق ما قيل حولها. تتلفت حولك، تخطو خطوات هنا وهناك، أنت بحاجة إلى فنجان قهوة أو شاي لمزيد من التركيز وحالما تعود إلى القضية فجأة دونما سابق إنذار وكأنما يد خفية تزيح السطور الثقيلة للقضية الشائكة لتكتب موضوعاً آخر لم يكن في ذاكرتك وأنت على عتبة الكتابة، ذلك المسار يجعلني أتساءل أيهما الأكثر قيادة واستبداداً بالآخر وأيهما الأجدر بالتوثيق والكتابة، فكرة تؤرقك وتستبد بك أم تلك التي تطاردها أنت وتقتنصها رغماً عن كل شيء.
هذا الاشتباك الذي ذكرته أعلاه يحدث أحياناً وربما غالباً للكتاب المخلصين لمهنتهم ولرسالتهم الحقيقية، والقضية تتضمن عدة أوجه أو نواحٍ، هي لا تتعلق فقط بقضية تحتاج إلى بحث أكثر توسعاً فهذه في متناول اليد ويمكن التوصل إليها بشيء من التركيز وبتوفر فائض من الوقت، لكن القضية الحقيقية هنا هي مدى قدرتك على الحديث والبوح بما يشغلك، وهذا الأمر لا يتأتى إلا بسقف أدنى من الحرية ، حرية الكلمة ، أن تعبر عما يجول بخاطرك دونما خوف أو وجل وأن تكون مستعداً لكافة التساؤلات والاستفهامات حول ما تضمنته كلماتك.
شخصياً أرى أن كاتب القصة والرواية يتمتع بهامش أكبر من الحرية قد لا يتوفر له عند كتابة المقال، لذا أجدني أكثر ميلاً لكتابة القصة و(الحكاية) ففيهما أجد ذاتي بلا حواجز أو قيود.