د.ثريا العريض
ليست الحوارات المحلية فقط ما يبدو في كر وفر مع بطء وضبابية في تلمس وتحقيق نتائج واضحة التفاصيل ومضمونة التنفيذ والنتائج. المداولات الأممية حول مصير الملايين في سوريا وفي اليمن تتعثر ولا يبدو أنها تحقق تقدماً. فحتى حين يكاد القرار حول تجريم هذا العدوان أو ذاك مما يصطلي به المواطنون في سوريا أو اليمن بفعل الصراعات المحلية، يأتي فيتو من دولة كبرى ليوقف إصدار قرار التجريم، ناهيك بقرار فعل يتدخل لإنهاء تدفق الدماء.
ومع هذا، واضح أن العالم يقف ممسكاً أنفاسه مصراً على الحوار، وليس الشرق الأوسط محور اهتمامه الوحيد، فهو على شفير غير مطمئن من الشحن العاطفي السلبي بسبب تنامي مناطق الصراع والجوع والإرهاب الداعشي المستشري، ومستجدات اقتصادية وبيئية ما زالت تحمل كوارث الزلازل والأعاصير والفيضانات لكثير من بقاع العالم، عدا ما يضيفه البشر من تواصل صراعات عسكرية مدمرة، وتنافر إيديولوجي. نواجه جميعاً نتائج تواصل عقدين أو أكثر من التراكمات الهادمة ولدت ملايين اللاجئين والهاربين من أوطان تحترق بفعل داخلي وتخطيط خارجي، وآلاف الضحايا الأبرياء بما في ذلك الأطفال.
لا اتفاق بالإجماع و لا في أي بلد على ما هي الخيارات الأفضل للأغلبية ديموقراطياً في مواجهة الصراعات الحزبية. وبينما تتشارك المجتمعات في خوفهم من الإرهاب، يختلف المواطنون في كل بلد منها حول تفضيلاتهم في العلاقات الثنائية والدولية.. وفي أمريكا خلاف حول نتائج الانتخابات الرئاسية وانتقال الحكم الى الحزب الجمهوري، وفي روسيا استمرار لتوجه استعادة موقع هيمنة عالمية فقدته بعد تمزق الاتحاد السوفياتي. وفي الشرق الأوسط لم تتوقف العواصف منذ الخمسينيات محتدمة بتيارات التمزق والتحالف مدفوعة بمتغيرات العالم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.
لعل منطقة الخليج الأوضح وجهة بين الدول في الجوار العربي والإقليمي، بينما منطقة الشرق الأوسط من تركيا شمالا إلى السودان والصومال واليمن جنوباً، ومن الخليج شرقاً إلى المحيط غرباً، تجد نفسها لا تزال تكافح لتثبيت أو استعادة الاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي، واستدامته. وبعد تساقط الأنظمة واحتشاد الشوارع وشعارات الغضب واستثارة وحش الطائفية وتغوّل داعش وتكشّف خطط الهيمنة وأحلام الأممية المتدثرة بأقنعة دينية، يأتي تغير توجهات القوى العظمى في الولايات المتحدة وروسيا ليضيف إلى الصراعات والأحداث المحلية في كل من آسيا وأفريقيا وحتى أوروبا بعداً آخر من التجاذبات والضبابية وفي متوقعات المرحلة القادمة.
منطقة الهلال الخصيب ومجرى الفرات، تجد نفسها في هذه الأوضاع الحرجة في تأججات داخلية تتجسد عسكرياً، وما سبقها من ميراث الربيع العربي المدمر يثير ليس فقط الشبهات والتكهن بأصابع خفية تلعب بمصير وخريطة المنطقة لتغييرها وإعادة رسمها، بل ويثير التخوف والاستنفار الفعلي لتجنب الدمار والتفتت الكامل. ومنطقة الخليج تتفادى أن تسقطها موجات الصراع في المستنقع المحيط بها في الجوار الذي لم يعد آسنا بل يفور بالدموية والدمار.
حتى الآن ونحن في الخليج بخير ونحقق من التوازن والتكاتف والتساند ما يمكننا من ليس فقط إبقاء رؤوسنا عالية سالمة، وشوارعنا فوق الماء المتعكر المتفجر، بل ومد يد العون إلى الأقربين لكيلا تسحبهم الدوامات إلى اللجة.
الرؤية القائمة يدعمها التوجه للعمل مع الجميع كفريق قوي مستمر في الفعل الإيجابي والاستعداد لكل احتمال قادم. وأهم أولوية أن نعيد الوئام والاستقرار للجوار، ونحبط أي خطة لتصعيد ونشر الدمار. الجدية والإصرار ضروريان لدفع الوضع إلى الأفضل اقتصادياً ومجتمعياً وسياسياً، ولا بد أن نسعى إلى تحقيق ذلك بالفعل الإيجابي الباني والعمل المركز على الأمل والعمل، وإيقاف التقاذف بالكلام المسمم والجدل.