عبده الأسمري
لدينا إرث عظيم من السنة النبوية المطهرة تحمل القيم والاتجاهات والمثل، تسمو بنا نحو النبل وتعلو بأنفسنا حيث الفضل، وتوجهنا إلى أجمل السبل.. أتعجب ممن يبحث عن مدربين لإدارة الذات أو معالجين لصياغة الانفعال أو خبراء لضبط الغضب أو مختصين لتحقيق الأهداف. حيث نجد في سنة نبينا الكريم محمد بن عبدالله أعلى وأسمى وأكمل درجات التهذيب التي يجب أن ننطلق منها وننطق بها ونستنطق بجمالها كأساس للأقوال والأفعال.
نقابل في يومنا وأمام محطات الحياة العديد من المتشائمين والمنفعلين والمتضايقين، لو سألت أحدهم عن حديثا واحد حفظه عن الرسول الكريم لأجابك أنه يعرف، وقد لا يأتي به صحيحاً أو ينساه أو يأتي بحديث ضعيف، وهنا تكمن المشكلة.. ولو سألنا أي طالب متخرج من الثانوية العامة: ما عدد زوجات الرسول الكريم وما فضل الأحاديث الشريفة وما منهاج الرسول العظيم في الحياة وماذا استفدت طيلة الاثني عشر عاماً من السنة النبوية.. لوجدنا الإجابات تعكس واقعاً أليماً من مخرجات التعليم ومن منتجات الحياة أيضاً..
مصيبة كبرى أن نحفظ الكثير من «العبارات» من الحكم وأن نراها مبروزة ومنتشرة في حسابات التواصل الاجتماعي وتكتب مذيلة بأسماء «فلاسفة الإغريق» و»حكماء الهند» وشعراء المهجر، بينما لا نرى حكمة بل منهجاً بل علماً اختصره الصادق الأمين في عبارة صغيرة، وما أجملها أن تكتب وتشاع متزينة متحلية مبجلة باسمه الكريم.
وهنا ألوم وزارة التعليم التي تختصر السنة النبوية في منهج واحد يتكرر برتابة في مناهج التعليم العام، وما أضعفها من إستراتيجية تعليمية أن خلت من منهج خاص عن الرسول الكريم وسنته الشريفة بشكل احترافي متطور تفصيلي نافع يطور الحياة وينمي عقليات الطلاب، لا مجرد أحاديث مكررة كل عام تدرس بالتلقين وتركز على الراوي وعلى المتن بعيداً عن ربط الحديث بالحياة بالمنهجية.
نسمع يومياً عن مئات الدورات وعن عشرات ورش العمل وعن العديد من المبادرات، فأين «السنة النبوية منها!» لست أتحدث عن جهات سارت وأضاءت السنة ووضعت لها المؤلفات، ولكني أتحدث عن التطبيق الفعلي في حياتنا.
أين السنة النبوية من سجلات المدربين لدينا وكيف أن مثالاً واحداً عن حياة الرسول كانت سبباً في إسلام قساوسة ورهبان وأحبار وعتاولة «كفر»، فكيف بنا ونحن من أرض الرسالة ولا نعلم من هذا الإرث إلا أحاديث مكررة يقولها أمام جمعة ويكررها زميل جلسة ويلمح إليها شيخ في قناة فضائية. أين نحن فعلاً من توظيف السنة النبوية المطهرة في الحياة بمختلف أمورها وبشتى تعقيداتها.
أين سنة نبينا الكريم من المناهج.. ولماذا لا نجد مناهج مطورة سوى في بعض الجامعات التي كانت سبَّاقة في نشر هذه السنة وفي بعض المؤلفات التي كانت جزءاً من دراسة تخصص جامعي أو دراسات عليا.
أين السنة النبوية في مناهج تربية الأبناء في المنزل مع الأسرة أثناء المناسبات المختلفة.. هل يتعلم الطفل لدينا أبجديات السنة والتي تبدأ بالأذان والإقامة بعد صرخة الميلاد.. هل تنمو هذه السنة مع الطفل ليعبر بها متاهات المراهقة ومنعطفات الشباب ومنحنيات الرشد وانحدارات المشيب.
أتمنى أن تعيد وزارة التعليم النظر في مناهج السنة النبوية وأن لا تقتصر على الحديث وأن نراها حاضرة في مناهج متخصصة، والأمل موصول في كل مؤسسات المجتمع المدني وغيرها وقطاعات التدريب والقنوات الفضائية في توظيف السنة النبوية وربطها بالحياة وصناعتها للسير نحو دروب مضاءة من السعادة والريادة، وقبلها أرى أن يوظف الناس السنة في حياتهم وتصرفاتهم وفي كل مجالات ومستويات العمر كي نعيش «انقياء» «سعداء» «وأوفياء» مع ديننا ونبينا صلوات الله وسلامه عليه، فقد خلف لنا منهجاً لا ينتهي ولا يزول ولا يتغير، فلنعشه بكل تفاصيله.