رقية سليمان الهويريني
يعاني سكان مدينة الرياض من إزعاج الحمام الذي يتواجد بكثرة حول المساكن والبيوت لدرجة ألا يستمتع المرء بنومه في منزله حيث تتخذ من نوافذ المنازل والأشجار سكناً لها، عدا عن تلويثها وإحداث رائحة كريهة تنتشر بأرجاء المنزل مما يستدعي التنظيف اليومي، ولا تكتفي بذلك بل تشرع بتكوين أسرة لها بعد جمع الأعواد والأعشاب لتصبح محضِنَاً لبيضها الذي ما أن يفقس حتى يأتي جيل من الحمام يمارس سلوك والديه بالإزعاج!
ونتيجة لهذا الإزعاج فقد قمت بجهود ذاتية لمحاربة الحمام وطفقت أجرب طُرقاً سلمية متعددة، وبحمد الله تخلصت من أغلب الإزعاج، ولكن بقي صوت هديل حمامة ينبعث ولم أستطع تبين مصدره مع حركة دائبة! حتى ترصدت له وتأكدت من وجوده فأحضرت السلم وصعدت، فلما شعرت الحمامة بالخطر طارت! فرأيت ثلاث بيضات ترقد بهدوء ودعة على مجموعة من الأعشاب والأعواد الصغيرة والخيوط الدقيقة وقد وضِعت بطريقة آمنة جداً بحيث لا تهتز ولا تتحرك!
ولا أخالكم تتصورون مدى فزعي من المنظر! فنزلت سريعًا وخجلت من نفسي أن أحارب أُمَّاً وضعت بيضها بهذه العناية والاهتمام! وبدأت أفكر بهذه الأم التي نقلت الخيوط والأعواد بمنقارها لمكان ضيق مهجور بعيد عن أعين المتطفلين، وكم استغرقت من الوقت لجمعه؟ وكم سقط من عود وهي في طريقها لصفه؟ وكم تخلصت من أعواد لعدم مناسبتها للمكان أو للأجنة داخل البيضة؟
هزمتني الحمامة حين وجدتها أُمَّاً برغم إزعاجها ومضايقتنا وإيذائنا! فلِمَ لَمْ تهزم الأم البشرية قلبَ رجلٍ مستبد خطف أبناءها وصادر حقها في الأمومة وجعلها تنوح فقداً عليهم؟ ولِمَ لَمْ ينهزم قلب محارب يطلق صواريخه وبراميله المتفجرة وغازاته السامة على أطفال لا تتحمل أجسادهم نير الحروب؟
ألا يعلم هؤلاء أن أكبر هزيمة نبيلة هي أن يغلبك ضعيف بعجزه، وأنبل إنسانية أن تتنازل عن حقك الواضح شهامة وليس ضعفاً؟!
لا تتألم حين يهزمك الأشخاص الضعفاء، وتغلبك الحيوانات الأليفة والطيور اللطيفة، بل احمد ربك كثيراً أن بين جنبيك قلباً ينبض بالرحمة ويخفق بالرأفة والشفقة، وإن غلبتَهم فأحسن الله عزاءك في إنسانيتك!