د. محمد عبدالله العوين
بعد التجربة المريرة للتغوّل الإيراني في أربعة بلدان عربية، وأزها نفر قليل من الأبالسة المأجورين في عديد من دول الخليج العربي تحت غطاء طائفي ذميم، وما وصلت إليه الأحوال الإنسانية في تلك الدول التي دنستها الأقدام الصفوية، وما دمّره فيها حشودهم من بنى تحتية ومراكز إنتاج ومدن كانت عامرة آهلة بسكانها الأصليين العرب السنة؛ فقتل عشرات الآلاف منهم وهجر عشرات آلاف آخرون إلى المنافي القريبة والبعيدة، واستبدلهم الغزاة بشتات طائفي مستجلب من كل جنس ولون؛ سعياً من إيران لتغيير ديمغرافي يقلب الأوضاع السياسية والقومية رأساً على عقب لصالح التمدد الإيراني في ديار العرب حسب طموحاتهم وما تخيلوه!
بعد فشل هذه التجربة فشلاً ذريعاً وانكسارها وصمود العرب الأحرار في كل دولة من تلك الدول التي ابتليت بالتسمم الصفوي، وبعد المقاومة الباسلة من شعوبها العربية؛ على الرغم من الخسائر الكبيرة في المجتمعات المدنية التي استهدفتها آلة العدوان ووكلائه؛ هل يمكن الآن تدارك ما بقي واغتنام فرصة سبل النجاة التي تهيئها قيادة المملكة للمبتلين بالتدمير والخراب والغزو والتسلط؟!
إن هذا الأمل البارق الذي يومض في الأفق هو البقية الباقية مما يتمنى كل عربي مخلص منتم محب لأشقائه في العروبة والتاريخ والمصير الواحد المشترك أن يدركه إخواننا في العراق العزيز؛ فيبادروا إلى مد يد المحبة والتعاون والثقة والتفاهم والسعي الجاد لحل كل ما يقف أمام عودة العراق إلى أمته العربية وإلى وجدان كل عربي مخلص في مشاعره نحو بغداد الرشيد والمأمون والمعتصم؛ بغداد التي لها في قلب كل عربي ومسلم صدى وذكرى وأثر طيب عبق بكل جميل وزاه لا يمكن أن ينسى.
لقد تدفقت كلمات عفوية صادقة محبة للعراق من قلب معالي وزير خارجية المملكة الأستاذ عادل الجبير قبل أيام حين تفاجأ الجميع بتلك الزيارة التاريخية لبغداد، وتطلع محبو العراق على امتداد الأرض العربية من دجلة والفرات إلى موريتانيا ومن تركيا إلى اليمن أن يسمع العرب صدى حسناً لتلك الزيارة، وأن يتخذ أصحاب القرار في العراق موقفاً إيجابياً يعود بالعراق إلى أهله العرب بعد أن دخل في دوامة مرعبة من التدمير والاستلاب والاحتلال والتفريط بالقدرات البشرية والاقتصادية والسيادية ؛ مما هيأ لتكون بيئة مناسبة لتخلق الأفكار المتطرفة وتولد الجماعات الإرهابية التي لم تدمر العراق فقط - كداعش ومن لف لفها - بل امتد شرها وطالت جرائمها ديار العرب والعالم.
لقد أفضى وزير الخارجية بما تتمناه قيادة المملكة للعراق من الخير والاستقرار والأمن والتطور، وشدَّد على أن المملكة تنظر للعراق على أنه امتداد إستراتيجي طبيعي للعمق العربي والإسلامي، وأن ما يؤذيه يؤذينا، وما يسعده يسعدنا، وأن استقراره ونماءه وقوته هي أيضاً استقرار ونماء وقوة لجيرانه العرب، والمملكة على الأخص، وأن بلادنا تقف على مسافة واحدة من أطيافه وشعوبه وطوائفه، وأنها لا تميل لطيف دون طيف آخر؛ فالمصلحة للعراق أينما كانت وبأية صورة كانت هي غاية المملكة في رغبتها مد يد المحبة والتعاون والتفاهم.
ولا شك أن رد القيادة العراقية كان إيجابياً، وأن مظاهر الحفاوة العالية وكرم الضيافة وعطر الكلمات الطيبة التي قوبل بها معالي الوزير الجبير في العراق تدعو إلى التفاؤل وتفتح آفاقاً جديدة من الآمال الخيِّرة المتفائلة بعودة العراق إلى حضنه العربي عودة كاملة متخلصاً من ربقة الانشداد والانقياد بأهواء طائفية أو عواطف شعوبية نحو أي بلد آخر غير عربي .
لقد أدخل الغزو الأمريكي 2003م العراق إلى نفق مظلم بعد تدمير بنيته التحتية وحل جيشه النظامي وتأسيس جيش آخر على أساس طائفي وتسليم زمام قيادته إلى إيران أو أتباعها، وحان الوقت بعد التجربة المريرة بعد أربعة عشر عاماً من معاناة الإرهاب وضياع الهوية السياسية أن يتخذ العراقيون الشرفاء قراراً مصيرياً بعودة العراق جملة وتفصيلاً إلى أهله وإخوانه وبيئته وتاريخه ومستقبله المحتوم الذي لا خيار لهم فيه قصر الزمان أو طال.