د. أحمد الفراج
تحدثت في مقالي الماضي عن خطاب الرئيس ترمب أمام الكونجرس، وهو الخطاب الذي ألقاه يوم الثلاثاء الماضي، وانتظره أنصاره وخصومه على السواء، فأنصاره كانوا يبحثون عن أي إنجاز، يستطيع ترمب من خلاله أن يصمت خصومه، أما خصومه الديمقراطيين، ومعهم اليسار، والإعلام الأمريكي، المنحاز ضده أصلاً، فقد كانوا يبحثون عن أي زلة، وذلك ليقينهم بأن ترمب سياسي يسهل استفزازه، عطفاً على معاركه السابقة معهم، فما الذي حدث؟!
جاء خطاب الرئيس ترمب هادئاً ومتزناً، حرص من خلاله على لم الشمل مع خصومه، لتحقيق مصلحة الشعب الأمريكي، ومصلحة أمريكا العليا، فقد بدأ الخطاب بشجب الأعمال العنصرية، ودعا إلى العمل المشترك، بين الجمهوريين والديمقراطيين، بديلاً لاستمرار المناكفات الحزبية، وذلك ليتسنى سن تشريعات جديدة، ورغم أنه تحدث عن خطر قبول المهاجرين من دول تفتقد للإجراءات الأمنية المكثفة، إلا أنه كان أقل حدة هذه المرة، كما أكد على إصرار إدارته على بناء الجدار العازل، بين أمريكا والمكسيك، وكان الأهم هو إعلانه دعم حلف الناتو، وهو الأمر الذي لاقى ردة فعل إيجابية، حتى من خصومه الديمقراطيين، فقد كان الجميع يخشى أن يساهم ترمب في تفكيك الحلف، وهو الأمر الذي يسعى له الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وماذا بعد؟!
تحدث ترمب عن أهمية دعم الجيش الأمريكي، الذي يرى ترمب أنه ليس في حالة جيدة، ثم أعقب ذلك بالحديث عن إعادة إعمار البنية التحتية لأمريكا، كما أكد على تجاوب الشركات الأمريكية مع دعوته للحد من فتح مصانعها في الخارج، وفرض ضرائب عالية على البضائع الأجنبية، وذلك من أجل توفير فرص عمل للمواطنين الأمريكيين، ويمكن القول إن خطاب ترمب كان «وطنياً»، وضد العولمة، وكان أكثر ما لفت الانتباه والعاطفة معاً، هو استضافة ترمب لزوجة الضابط الأمريكي، الذي قتل في اليمن قبل أسابيع، في عملية استخباراتية قيل إنها لم تنجح، إذ خاطبها ترمب معزياً، وتجاوبت معه بالبكاء، ثم صفق الحاضرون، جمهوريون وديمقراطيون، لفترة طويلة، استمرت دقيقتين، ويمكن القول إن هذه الفقرة هي التي حصدت أكثر التغطيات والتعليقات، وتحدث ترمب عن أمر آخر، أغضب خصومه، وأغضب حتى المعتدلين من الجمهوريين، فما هو؟!
أعلن ترمب في خطابه عن تأسيس إدارة، تختص برعاية ضحايا جرائم المهاجرين!، وكان قد استضاف في القاعة بعض السيدات، اللاتي قتل أزواجهن، على يد مهاجرين غير شرعيين، ومما لا شك فيه أن تأسيس إدارة تعنى بهذا الشأن أمر يسعد جمهوره المحافظ، الذين يرون أن المهاجرين خطر على أمريكا، بما في ذلك من يقيم منهم بطريقة شرعية، ولأجل كل ذلك، فقد قال بعض المعلقين من خصومه إن خطابه كان نسخة من أفكاره الإقصائية القديمة، ولكنه كررها هذه المرة بنبرة هادئة، بحكم أنه يتحدث أمام الكونجرس، وليس أمام أنصاره، وأنا أعتقد أن خطاب الرئيس ترمب كان جيداً إلى حد كبير، ويعتبر نقلة إيجابية كبيرة، إذا ما قورن بخطاباته السابقة، فهل سيستمر ترمب على هذه الوتيرة الإيجابية، أم أن هذا الخطاب كان استثنائياً؟!.. هذا ما سنعرفه لاحقاً!.