د. محمد عبدالعزيز الصالح
أكدت رؤية المملكة 2030 على الحد من الإنفاق الحكومي من جهة وعلى التخلص من الهدر المالي من جهة أخرى, وبالنظر إلى استمرار استئجار العشرات (بل المئات) من المباني من قبل الكثير من الأجهزة الحكومية وبمبالغ ايجارية طائله طوال العقود الزمنية الماضية، فإن ذلك يعتبر أحد أبلغ صور الهدر المالي غير المبرر والذي استنزف الموازنه العامة للدولة, إضافة إلى كون ذلك لا يتفق مع ابسط المبادئ التي أكدت عليها رؤية المملكة, فالمتابع يلحظ استمرار الكثيرمن الأجهزة الحكومية في مبانيها المستأجرة منذ سنوات طويلة وبمبالغ ايجارية مبالغ فيها وتكلف الدولة مئات الملايين من الريالات سنوياً.
من جهة أخرى, تعد فكرة إنشاء مركز الملك عبدالله المالي إحدى ثمار الطفرة الاقتصادية للمملكة خلال العشر سنوات الماضية, والتي انتعش معها القطاع المالي والخدمي وذلك بعد الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط، حيث دفع ذلك المؤسسة العامة للتقاعد إلى تبني فكرة إنشاء هذا المركز المالي العملاق, وقد تم بنائه لكي يستوعب مختلف المؤسسات المالية الخاصة والبنوك وكذلك الأجهزة المالية الرسمية في الدولة, ويضم المركز المالي حوالي 17000 مكتب جديد تم بنائها على مساحة 1,7 مليون متر مربع, وقد تم بناؤها كمكاتب راقية لمؤسسات مالية وإدارية واقتصادية.
وقد شاع مؤخراً بأن هناك توجه قوي لنقل ملكية مشروع المركز المالي من المؤسسه العامة للتقاعد إلى صندوق الاستثمارات العامة. الاشكالية هي أن الظروف الاقتصادية المتلاحقة والتي من أبرزها تدني أسعار النفط تسببت في إحجام الكثير من المؤسسات المالية والمصرفية المحلية والدولية عن التوجه للاستئجار في المركز المالي نظراً لارتفاع كلفته الانشائيه ومن ثم ارتفاع المبالغ الايجارية للمباني والوحدات المكتبية داخل المركز, حيث تسبب ذلك في صعوبة اجتذاب المستأجرين التجاريين.
وقد أدى ذلك إلى أن رؤية المملكة 2030 أنقذت المشروع نظراً لعدم دراسة جدواه الاقتصادية حيث لم تبذل الجهود الكافية لإقناع المجتمع المالي بالانتقال إليه.
والمقترح هنا يتمثل في بحث إمكانية تخصيص نسبة (30% ـ 50%) من مباني وأبراج المركز المالي (60 برجا) لكي تنقل إليها الكثير من الوزارات والأجهزة والهيئات الحكومية المختلفه والتي تقع حالياً في مباني مستأجرة في أحياء وطرق مختلفة من العاصمة, وذلك بدلاً من استمرار تلك الأجهزة الحكومية في هدر مئات الملايين من الريالات التي تتكبدها خزينة الدولة سنوياً من جراء استمرار بقائها في تلك المباني المستأجرة خاصة وأن الكثير من تلك المباني المستأجرة يفتقد لمختلف أنواع الخدمات الأساسية من مواقف سيارات ومساجد وتواجد الكثير منها داخل أحياء سكنية مما يصعب معه الوصول إليها.
اقترح من خلال هذه الزاوية على مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان أن يبحث جدياً إمكانية تخصيص ما نسبته (30% ـ 50%) من أبراج المركز المالي لتكون مقراً للعديد من الأجهزة الحكومية التي لا زالت تقبع في مقار ايجارية غير مناسبة وتكلف الدولة المليارات من الريالات سنوياً, وفي ظني أن وضع هذا المقترح تحت التنفيذ الفعلي قد يترتب عليه عدة مكتسبات, منها ما يلي:
1. توفير هدر مئات الملايين من المبالغ الايجارية والتي ترهق خزينة الدولة سنوياً مقابل استئجار مئات المباني من قبل الوزارات والهيئات الحكومية المختلفة.
2. إعطاء أجهزة الدولة مقار مشرفة وذلك من خلال توفر جميع الخدمات اللازمه كالمواقف والمساجد والمطاعم المختلفة إضافة إلى سهولة الوصول إليها,حيث يرتبط المركز المالي بشبكة من مسارات القطار التي تربط بأحياء العاصمة المختلفة.
3. تشغيل نسبة كبيرة من الأبراج الستين في المركز المالي بدلاً من استمرار هجرها وتركها فارغة مما قد يؤدي إلى تهالكها وبالتالي حاجتها إلى الصيانة الدورية الدائمة وهو ما يتطلب توفير مبالغ مالية طائلة لتوفير ذلك.
4. تأجير جزء من أبراج المركز المالي لأجهزة الدولة المختلفة سيؤدي إلى تدفق أموال ايجارية لصندوق الاستثمارات العامة (في حال انتقال ملكية المركز للصندوق)، وذلك بدلاً من استمرار بقاء أبراج المركز خالية.