أحدث القرار الذي اتخذته الفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة بالعودة إلى الغناء بعد اعتزال دام 16 عاماً ردود أفعال واسعة في الأوساط الفنية، وكان عام 2017م هذا العام الذي اختارته هذه الفنانة التي كانت ملء السمع والبصر وأن اعتزالها الفن هذه الفترة الطويلة كان بمثابة الصدمة لعشاقها الذين حاولوا ثنيها وإخراجها من عزلتها الفنية، إلا أنها كانت مصرة على عدم العودة مرة أخرى إلا في الوقت الذي تختاره هي.
وما إن أعلنت عن العودة بأغنية جديدة حتى فرحت وسائل الإعلام بهذا الخبر السعيد الذي طال انتظاره سنوات عدة، الأغنية الجديدة التي اختارت العودة بها للساحة الفنية بعنوان «كل الكلام» تترجم غيابها التي اعتزلت فيه سنوات عمرها المديد.
الأغنية من كلمات الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودي الذي غنت له من قبل ست أغنيات ومن أشهر أغنياتها للأبنودي أيضاً (عيون القلب) كما اختارت أن يكون ملحن هذه الأغنية الملحن والموسيقار السعودي «طلال» الذي يعتبر واحداً من صنّاع الأغنية السعودية ظل يعمل خلف الكواليس أكثر من خمسة وثلاثين عاماً يصنع الألحان ويصممها بكل اقتدار ويضمها تحت أسماء ملحنين آخرين، لعدم رغبته في الظهور، لكنه محب وعاشق في محراب الموسيقى، ولحن لكبار الفنانين السعوديين أمثال طلال مداح ومحمد عبده وراشد الماجد وعبادي الجوهر وكان له لحن أوبريت الكبرياء، ويُقال إن ألحانه قد وصلت لـ600 لحن لأغاني مشهورة لذا فإن اختيار نجاة له يمثّل قيمة فنية معتبرة، كما يعتبر الموزع الموسيقي يحيى الموجي واحداً من أشهر الموسيقيين المقتدرين في توزيع الموسيقى للأعمال.
وحسب ما صرح به لإحدى المجلات العربية أن أغنية «كل الكلام» التي قررت الفنانة المعتزلة نجاة العودة من أجلها قد وفرت له كل الإمكانات الفنية من تسجيل، والألحان والوتريات، وقد نفذ العمل في العديد من المواقع والاستوديوهات المتخصصة في مصر واليونان وفرنسا، كما تم الاستعانة ببعض الآلات والعازفين من تركيا للمشاركة في مقاطع الأغنية، وقال الموجي إن نجاة من الأصوات الغنائية المميزة وأنها ما زالت تحتفظ برونقها وجمالها وعذريتها.
وكانت آخر مرة ظهرت فيها الفنانة نجاة قبل الاعتزال كان عام 1999م أمام الرئيس محمد حسني مبارك وعقيلته سوزان مبارك.
وبنبذة تاريخية عن الفنانة المذكورة فقد ولدت في القاهرة عام 1938م والدها محمد حسني من أصل سوري لجذور كردية، استقر وعاش ومات في القاهرة، أخوها الموسيقار عزالدين حسني وسامي حسني وأختها غير الشقيقة سعاد حسني، وكان يعرف بيتهم بـ»بيت الفنانين».
فمن صغرها، بارك الله لها في صوتها وجمالها وكانت تغني في التجمعات العائلية ما خلق لها أصداء واسعة في عالم الغناء تنتمي نجاة الصغيرة لمدرسة الملحن الكبير محمد عبدالوهاب المتميزة بالإتقان والتجويد، وقال عنها الملحن القدير كمال الطويل إنه بقدر ما يتعلّق الأمر بالملحنين والموسيقيين، كان أداء نجاة هو الأفضل في العالم العربي، وكانت نجاة تعتبر أن الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب أبرز ملحن في القرن العشرين، ما شكل لأغانيها شلالا متدفقا من العذرية.
وقال عنها نزار قباني إنه يأمل في جذب خمسة عشر قارئاً عندما ينشر كتاب شعر، لكن عندما غنت نجاة إحدى قصائدي جذبت الملايين في العالم العربي لتذوق شعري، وأعتقد أن نجاة هي الأفضل بين أولئك الذين غنوا وعبروا عن قصائدي، وكانت أول أغنية غنتها نجاة لنزار كان عام 1952م، وكان عمرها -آنذاك- 16 عاماً وهي أغنية ليه (خلتني أحبك) التي تقول كلماتها:
ليه خلتني أحبك
ما تلومني ولا أعاتبك
فين أهرب من حبك
روح منك لله
بدموعي الحيرانة
وعيوني السهرانة
أدعيلك بأمانة
روح منك لله
كان حبك عذاب وأسيه
وهواني ما بعدو هوان
لو كان الغرام بايديه
ماكنش جرى اللي كان
يا خاين مالكش أمان
ورتني العذاب ألوان
ليه خلتني أحبك
كما غنت لنزار أربع قصائد أخرى وهو يعتبر من رواد الشعر الكلاسيكي الذي يجمع بين البساطة والأناقة والاستكشاف مواضع الحب والجمال ومن أجمل أغنياتها معه قصيدة بعنوان «أيظن»:
أيظن أني لعبة في يديه
أنا لا أفكر الرجوع إليه
تعاونت نجاة مع كثير من الملحنين فغنت أشهر أغانيها من ألحان كمال الطويل، كـ»عيش معايا»، وأيضاً أغنيتها المشهورة؛ «لا تكذبي»، من ألحان محمد عبدالوهاب، كما لحن لها بليغ حمدي ورياض السنباطي وزكريا أحمد وسيد مكاوي، وغنت للشعراء مأمون الشناوي والأبنودي وكمال الشناوي ونزار قباني ويقال إنها دائماً حذرة في اختيار الكلمات كما أنها كانت في توقعها للأغاني قوية ودقيقة وبروفاتها كانت طويلة في الاستوديوهات.
فرضت نجاة نفسها في عالم الغناء وقد بنت نفسها على أساس متين وكان صوتها مملوءًا بالأحاسيس النابضة التي تأخذك إلى أبعاد الجمال الأخاذ لذا فإنها في كل المراحل الفنية التي قدمتها فإنها كانت جاذبة ومميزة تأخذك في سحر الطرب الجميل، ويا ترى كيف استقبل عشاق فنها أغنيتها الجديدة (كل الكلام)، بعد غيابها الطويل، لكن من المؤكد أن هذه الأغنية ستكون لها بصمة واضحة في مسيرة هذه الفنانة الناضجة، التي دائماً ما تبحث عن الجميل، لذا فإن كل الذين عملوا على إخراج هذا العمل الكبير قد بذلوا جهداً مقدراً من كلمات وألحان، لتقديم هذه الفنانة مرة أخرى لجيل من الشباب لا يعرف الكثير عن هذه الفنانة القديرة.
- يحيى فرج المنديل