عمر إبراهيم الرشيد
أحسب أن عنوان المقال أكبر من أن يفيه مقال صغير كهذا، لذا سأحاول جهدي الإيضاح إيجازا ما استطعت. شكلت وسائل التواصل عبر الشبكة العنكبوتية إعلاماً موازياً مفتوحاً كما نعلم أو قل فضاء حراً بلا حدود أو قيود كما هي في الإعلام التقليدي، لذا فهي أتاحت للجمهور بكل أطيافه إيصال ما يريد إلى من يريد. وممن ظهر إلى الجمهور بعد غياب على (يوتيوب) وغيره، الفنان والمسرحي علي الهويريني الذي قدم مع مجايليه من الفنانين أمثال محمد العلي رحمه الله، علي ابراهيم، سعد خضر، عبدالعزيز الحماد وبكر الشدي رحمهما الله تعالى وغيرهم ممن لا يتسع المقال لسردهم جميعا، قدموا دراما مسرحية وتلفزيونية في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرف على الرغم من قلة الدعم في تلك الفترة وما تلاها، إلا أنها لاقت قبول الجمهور ومتابعته حضورا وتشجيعا ومن شاء فليرجع إلى مسرحية (تحت الكراسي) المتوفرة على يوتيوب كمثال على ما أقول. ظهر الفنان الهويريني كما قلت على (يوتيوب) وما يزال عبر حوارات ومقابلات مستقاة من قنوات متعددة ولقطات شخصية له، وكأنه لايزال على خشبة المسرح يؤدي دوره بكل احتراف وتمكن، مع ميزة العمق الثقافي والخلفية المعرفية التي تعطي الفنان حضورا أقوى وقدرة أكبر على التأثير والامتاع. بل إن هذا الفنان جمع بين الحس الفني المرهف والفلسفة بمعناها الأصلي القائمة على العمق المعرفي والثقافة الواسعة كما قلت. لذا فإنك تلمس شيئاً من الإحباط ومسحة من الحزن في ثنايا كلماته وأحاديثه المتنوعة، وهذا استنتاج شخصي لعلي أوضح أسبابه. فالمعروف أننا متأخرون مسرحيا وما يتم إنتاجه تجده موسميا ولا يرتقي إلى مستوى مسارح دول مجاورة دعك من عالمية، كما أن الدراما التلفزيونية المحلية وهي امتداد للمسرح ضعيفة هي الأخرى حضورا، لأنها إما موسمية لا تنشط إلا شهرا في العام وهو رمضان الكريم، أو لضعف في النصوص والكوادر على اختلافها. لذا تجد فنانا فيلسوفا وبحس مسرحي عالٍ يبث ما بصدره عن قضايا اجتماعية ووطنية متنوعة عبر يوتيوب بدلا من مسرح حقيقي أمام جمهور يتفاعل مع فنه وأدائه، فيرتقي ذاك الجمهور ذوقا ووعيا، وهل هذا إلا أهم أهداف المسرح الحقيقي منذ عهد الإغريق. فنان بهذه الطاقات تراه كبركان على وشك الثوران وهو يتحدث ارتجالا، ليس لهذا الفنان وأمثاله إلا خشبة المسرح وإنتاج درامي جاد ومعتبر. وللحديث بقية، طابت أوقاتكم.