عبدالحفيظ الشمري
ندرك جميعاً أن الإنجازات الإنسانية الكبيرة، والمشاريع العملاقة، والصروح الحضارية وما تشكله من قيم معنوية، جميعها أو جلها انطلقت وبدأت بمجرد فكرة صغيرة بعقل الإنسان، ثم ترجمها على أرض الواقع كمنجز متكامل؛ ليتم تنفيذها وبناؤها على هيئة مشروع؛ تعاضدت فيه الفكرة والتخطيط والتنفيذ والبناء، حتى أصبحنا نشاهد هذه الإنجازات رأي العين، وهي مكتملة الأركان والمكونات.
إلا أن ما يهم، أو ما قد يكون ضروريًا في الأمر هو نضج ووضوح «الفكرة الأولى» لأي مشروع، ومن الضروري أن لا يطول التمحيص فيها، أو الاستدراك عليها أكثر من اللازم؛ من أجل تخرج من كونها فكرة عابرة إلى مضمون متكامل، لكي يتم التخطيط لقيامها، وإنشائها، ومن ثم الابتكار فيها، لتكون مرحلة مفيدة من مراحل البناء الذي يتعاضد فيه الفكر والوعي والعمل من أجل الإنجازات التي ينتظرها الإنسان، ليستفيد منها أو يتعلم من مضامينها قيما أخرى جديدة.
فموضوع التطوير النمطي في الأفكار قد لا يناسب كل فكرة، بل قد يكون أداة هدم لها كمنجز عقلي، أو قتل لطموح الفكرة في مهدها، لنلاحظ أن الكثير من الأفكار وئدت بسبب التردد في التنفيذ، أو سوء التخطيط لها كمنجز، أو الخشية من الفشل في تقديمها كمشروع مادي متكامل العناصر.
من هنا تأتي الخطوة الأهم في مجال «الفكرة» ألا وهي حسن التخطيط الذي ينبغي له أن يكون واقعياً، وغير متكلف، وعلى سبيل المثال قيام فكرة المشاريع الصغيرة لدى جيل الشباب، الذين هم بحاجة إلى تخطيط سليم، ودراسة جدوى عملية مباشرة، لا تتطلب جهدًا إضافياً من أجل أن تنجح الفكرة أولاً، ومن ثم تنهض كمنجز لمشروع متكامل، بصرف النظر عن حجمه؛ كبر أو صغر.. فالعبرة بنجاح المشروع، وتحقيق أهدافه المعنوية والمادية، والفضل بلا شك سيعود إلى الفكرة الأولى التي جلبت هذا المنجز، وأسست له.
أما الجانب المعنوي في منطلق «الفكرة» فقد يكون على نحو بناء المشروع الخطاب الشفهي للموروث الثقافي والمعرفي الذي يحلق فيه الإنسان نحو جماليات الماضي ومكوناته لا سيما في مجال التراث، والمخزون الفلكلوري في مجالات كثيرة على نحو المرويات والمنقولات التي تظهر فيها الفكرة معبرة جداً، على هيئة قصيدة معبأة بالحكمة، أو قصة مغرقة بالطرافة، أو لغز يحمل مضامين إشعال الذاكرة بأن تفكر بمعاني كثيرة، أو حكاية معبرة عن جماليات ما مضى من تجارب إنسانية عابرة.
ولكي تحقق «الفكرة» أهدافها ونمائها؛ فإنه لا بد لها كمنجز أن تستوفي شروطها، ومضامينها في وجوه كثيرة، على نحو التفكير بخيال خصب، وهو من أبرز مقومات نجاحها، إلا أنه يتطلب العودة إلى أرض الواقع؛ ومن ثم بناء الفكرة على أساس واضح، بمعنى أنه لا مشاحة بأن نفكر بخيال وننفذ بواقعية؛ من أجل اكتمال مشروعنا الإنساني والحضاري الواعي.