كما قلت في المقال السابق -الوعي بالأيزوتيريك- بأن المناهج التي تطمح إلى زيادة الوعي الإنساني تعددت وذكرت أيضا بأن الأصل في كل العلوم وفي شتى المجالات أن تساهم في ذلك بشكل وبآخر. والنجاح والفشل في كل تلك العلوم والنماذج والمهارات والتقنيات والفنون مرتبط بمدى التفاعل التطبيقي إذ لا فائدة مثلا أن تحفظ الأشعار الأدبية وأنت منفصل عن الأدب كما لا يليق أن تحفظ آيات من الكتاب المقدس وأنت لا تعمل على التفاعل معها والتطبيق لها. ومن تلك النماذج/ المدارس؛ نموذج الترانسيرفينغ؟ وهو نموذج توجيه الواقع والتحكم به نحو الحياة الطيبة ومؤسسه هو المفكر الروسي الفيزيائي المعاصر فاديم زيلاند وإذا كان السؤال الفلسفي القديم الجديد ما زال يطرح هل العالم/ الواقع/ الحياة يتشكل بالوعي؟ أم أن الوعي هو الذي يشكل عالمك وواقعك وحياتك ؟ وقد حاولت المدارس الفلسفية متصارعة فيما بينها للإجابة على ذلك فالمادية خلصت إلى أن المادة هي التي تشكل الوعي/ الواقع. وأما المثالية فرأت العكس تماما. ثم جاء نموذج الترانسيرفينغ وطرح جوابه من خلال زاوية جديدة وأن الأمر مرتبط بما تظنه وتعتقده إذا هما يشكلان واقعك حيث كانت نقطة الارتكاز/ الانطلاق لدي هذا النموذج هي أن العالم يشبه المرآة وعالمك الواقعي يتمظهر بالشكل الذي تظنه به وتعتقده عنه. ومن مسلمات هذا النموذج أن هناك وجهين اثنين للعالم لا بد من اعتبارهما الوجه الأول المادي/ الفيزيائي والذي هو واقعك وخططك فيه وجميع ترتيباتك والوجه الثاني الميتافيزيقي/ الطاقي والذي يكون فيه التدبير سماوي المنشأ وأعمق أثرا من كل ترتيباتك التي تجريها في الوجه الأول وأنت لا بد أن تسير في التماس في تلك المنطقة بين ذلك الوجهين ومن قوة هذه المنطقة أنها منطلق توجيه واقعك حيث الخطوط الحياتية الجميلة والرائعة وهي ذات المنطقة مهد القوة الساحرية لهذا النموذج.
وإنه من البيّن/ الخفي والواضح/ الجلي أن الأفكار لها تأثير على مجريات حياتك وهندسة أحداثك وليس ذلك وحسب بل وعلى خلايا جسدك وأعضائك وما لم يُحسِّن الإنسان أفكاره الداخلية وأحاديثه الباطنية ويكون على وعي بها عالٍ فسيظل في تخبطٍ وحيرةٍ وبلاءٍ وشدةٍ ومن جماليات هذا النموذج -الترانسيرفينغ- أنه يتحدث عن الأفكار ويؤكد أنها بوابة توجيه الواقع وأن وعيك يشكل قدرك من خلال انتباهك لما تفكر به أغلب وقتك وأنك لو قمت بتفعيل المشاهد الداخلي/ المراقب وتأملت في أحوالك أكثر ستجد أن ظنونك السيئة هي التي تحققت في الواقع وبالتالي فإن وعيك يشكل قدرك بطريقة أو بأخرى ولذلك طرح هذه المسلمة بأن بثّ طاقة الأفكار يدفع بتحقيق احتمالك الذي تريد. فمن كان يخاف من المرض فإنه غالبا وبشكل لا واعٍ يدفع بالأمور بشكل خفي إلى إظهار ما يخاف منه ومن كان يسيطير عليه شعور تأبيب الضمير فإنه يميل خده لتلقي الصفعات ويبرز أنفه لمزيد من اللكمات إذ أنه كما الأول يدفع بتحقيق سناريو العقاب ليأخذ منه أوفر النصيب.
وكلنا يدرك أهمية أن يكون للإنسان مجموعة نوايا والتي هي حسب نموذج الترانسيرفينغ قرارات بالامتلاك بحركة وفعل والتي من شأنها -الحركة والفعل- أن تذوب الانحصار الطاقي الذي تسببه الرغبات/الأماني الخالية من الحركة والفعل؛ وبتلك الحركة والفعل أنت أو نواياك بالأصح تغدو في سريان مستمر كما النهر وبلا توقف ثم إنه لا يكتفي بفكرة وجود نوايا وحسب بل ويطرح فكرة أهمية أن تكون النوايا واضحة/ صافية وهي ما تفرَّق بها بين الواعي/ غير الواعي حيث إن الإنسان الواعي هو من يمتلك نوايا والأعلى منهم في الدرجة من يمتلك نوايا صافية, بينما الصنف الآخر لا يمتلك إلا الأماني والتي هي رؤوس أموال المفاليس كما قيل. ثم إن هذه النوايا الصافية هي من وسائل التعدّل على موجة النجاح مع استصحاب مشاهدك الداخلي والذي سيكون مساهما بفعالية في تنقية شريحة عالمك من كل المشاعر السلبية والسماح لكل ما هو إيجابي وفي ذلك يقول فاديم زيلاند: الشريط الذي تدوِّروه في ذهنك هو الفيلم الذي تشاهده في واقعك. إن النوايا الصافية هي ما يمكنها أن تخترق عطالة اعتمادك على الجانب المادي (خططك وترتيباتك) وتساهم بتسريع تجلي ما تريد. يقول الأستاذ القدير رشيد العيسائي أحد المدربين المعتمدين لهذا النموذج -بتصرف يسير-: إن الترانسيرفينغ في نهاية المطاف نموذج من نماذج التطبيق الذاتي لنمط معين في الحياة إنه حاول تجاوز مغالاة العقل وتعقيدات العلوم من جهة ومن جهة أخرى كذلك تجاوز الإغراق في الروحانيات وشطحاتها السابحة مع السحاب, إن مبدأه الاستيقاظ من نوم اليقظة والتحرر من البندولات ومساره التوازن مع الذات والمحيط وهدفه وحدة العقل والروح القادرة على التحكم بالوقع وتوجيهه. إنني أتصور بأننا بحاجة إلى مزيد من الاستيقاظ لهذه النماذج المعرفية والتمعن في زوايا النظر الجديدة التي تطرحها وتجربتها وهذا ما حدا بأحد القارئات لهذا النموذج كما يقول الأستاذ رشيد العيسائي لمراسلة فاديم زيلاند قائلة له: بدأت بتطبيق مبادئ الترانسيرفينغ في حياتي اليومية إذ أطالع باهتمام ما تكتبه وأحيانا لا أفهم بعض مفاهيمك والتقنيات التي تكتبها غير أني بحدسي متأكدة من أنه منذ اطلاعي على نموذجك أشعر بأن اليوم أفضل من أمس وغدا سيكون أفضل. ثم عقب عليها زيلاند قائلا: ما بلغته هذه القارئة هو أنها صاغت التوكيد الجوهيري للنموذج: (اليوم أفضل من الأمس وغدا سيكون أفضل) وهو نفس ما نؤكده نحن؛ فليوم بإذن الله أفضل وغدا سيكون كذلك أفضل.