إبراهيم عبدالله العمار
انتُخب ثيودور روزفلت رئيساً للولايات المتحدة وعمره 42 سنة، وما زال إلى اليوم أصغر رئيس أمريكي عُمراً، لكن إشارة للعنوان فليس عمره الشاب هو الذي يجعله طفلاً! بل هو أمر آخر: روحه. كان ثيودور يملك نفساً تشبّثت بطفولته، بالحماس والمتعة والجذل والحيوية المقترنة بروح الصبا.
كيف كان ثيودور؟ يصفه صديق فيقول: «كأن أيامه كلها أعياد الكريسماس». وُلِد ثيودور لعائلة ثرية، لكن لم يكن هذا سبب بهجته (والتي استمرت رغم آلام ومتاعب لاحقاً)، بل إن هناك عدداً ضخماً ممن يولدون في الثراء والترف وهم أضيق الناس صدراً وأشدهم كآبة، وهناك من ينشأ معوزاً لكن سعيداً، والسر هو عقلية المرء، كيف ينظر للحياة، وتلك كانت نظرة ثيودور: الحياة مغامرة كبيرة ممتعة.
تعلّم ثيودور هذه النظرة من أبيه، وقال إنه لم ير أحداً يعصر المُتَع من الدنيا كما فعل أبوه، ذلك أن أباه غمره بالحب والدروس الواقعية، ومنها النظرة المُقدّرة للحياة وبهجاتها، فلا نستغرب إذا قرأنا رسالة كتبها ثيودور وهو في العاشرة لأمه: «كم تحمست وأنا أقرأ رسالتكِ!! فتحت فمي مدهوشاً عندما عرفت كمية الورود التي أرسلوها لكِ، ولما أخبرتيني عن الطير المحاكي (طير يقلد الأصوات) وكيف سمعتِ تقليده للأصوات قفزتُ طرباً!!». أشياء بسيطة لكنها تجعله يقفز بسرور! وظل ثيودور متمسكاً بهذه العقلية عشرات السنين، فيصفه رفاق الجامعة أنه نشيط سريع، يجعل من حوله ينفجرون ضاحكين. خفّ هذا لما توفي والده، وهو شيء آلمه بشدة، لكنه صارع الغم وحوّل طاقته الكبيرة إلى شؤون أخرى، فمشى وسط الطبيعة وصادَ ولاكمَ وجدّفَ وسبح، كتب عشرات الكتب وتزوج وأنجب أطفالاً عدة، دخل السياسة عام 1881م، ومضى على نشاطه واستخراجه البهجة والمتعة من كل يوم قدر الإمكان، حتى أتاه يوم 14 فبراير 1884م بضربة موجعة: توفيت أمه وزوجته في اليوم نفسه. في كراسة ذكرياته التي اعتاد ملء كل صفحة لآخرها لم يكتب ذاك اليوم إلا سطراً واحداً: «لقد غادر النور حياتي».
هل توقف ثيودور عن الاستمتاع بالحياة؟ لا، فعل كما فعل بعد وفاة والده: ترك بيئته وذهب للطبيعة ورعَى واصطاد وكتب. رغم ألمه إلا أنه كتب عن تلك الفترة: «استمتعتُ بحياتي لأقصاها». رجع وتزوج وصعد السياسة شيئاً فشيئاً حتى صار رئيس أمريكا عام 1901م.
هل تظن هذا المنصب الثقيل جعله جاداً مضغوطاً يشيخ سنيناً في سَنة؟ المشهد التالي يجيبك: الرئيس يسير مع بغلته وأدوات التخييم ويقطع مسافات طويلة في وادي يوسيميتي! عاد بعد رحلة التخييم وقد ازداد حباً للطبيعة الجميلة وأصدر قرارات بحفظ البيئة وحماية الأشجار. ارتجّت أرجاء البيت الأبيض بضحك الرئيس وهو ابن الخمسينات لا يتوقف أبداً كما وصفه الصحفيون، ولم ينافس ذلك إلا ضحكات أطفاله وهم يلاحقونه وهو يجري.
انتهت فترة رئاسته وظل إيجابياً رغم كل الظروف، فكان ثيودور أول اليوم لآخره يَسعد ويبتهج ويبهج أهله وأصدقاءه ويجرب الجديد. بعمر 55 قرر اجتياز نهر يخترق غابة الأمازون، ولما حاولوا أن يُثنوه لخطورتها قال: «عليّ أن أفعل هذا، إنها آخر فرصة لي لأكون طفلاً!»، وخاض مغامرة مدهشة مليئة بالأفاعي والأمراض والمشاق والأمواج الثائرة.
هكذا كان ثيودور. ما أحسن نظرته للحياة، ظل كالطفل اللعوب المبتهج منذ صباه إلى كبره. لم تنطفئ بهجته إلا عام 1918م لما أصابته أعظم مصائبه: مقتل ابنه الطيار كوينتن في الحرب العالمية الأولى. قطع هذا قلب الأب ولم يتعافَ من الفاجعة حتى توفي بعدها بأشهر قليلة.