مها محمد الشريف
تقوم السياسة بدور مهم في صياغة حياة الدول والمحافظة على استمرار حضورها على كوكب العالم وهي القوة الطبيعية التي تحرك التوجهات والاستراتيجيات، ثم هي أبرز العناصر المهمة للمحافظة على النظام العالمي الذي يعمل على التخفيف من حدة الصراع في العالم وتؤدي دورها في تحديد قوائم ثابتة تؤسس أولويات للعلاقات الدولية وتبادل المصالح، وفي الوقت نفسه تظل على المستوى الداخلي مُجسِدة لمصالح البلاد بكل طبقاتها وجميع وسائل الحياة المختلفة فيها..
ضمن هذا الإطار السياسي، يأتي التحرك السياسي للقيادة السعودية. فبعد أسبوع من استقبالات الرياض لعدد من رؤساء وزعماء الدول نجد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يبدأ بجولة آسيوية، وتبدو للمراقب هادئة في زمنها حين يقضي عدة أيام في كل بلد يحل فيه ضيفًا كما ظهر حتى الآن في زيارته لماليزيا وإندونيسيا ويعكس هذا الهدوء حجمًا كبيرًا من الاتفاقيات والمباحثات التي تعزيز علاقات المملكة مع عمقها الإسلامي الآسيوي وصياغة علاقتها مع الاقتصاديات الأسرع نموًا في العالم، والمرشحة لاستثمار فرص مشتركة في قطاعات متنوعة ومهمة وفي مقدمتها الطاقة. ومن الواضح أن الدور الذي تلعبه المملكة انصبّ بشكل أساس على علاقاتها مع دول العالم عبر مشتركات المصالح والتعاون والانسجام مع مقتضيات المرحلة.
ولا شك أن وقوف المملكة من قضايا العالم كله له جانب كبير من الأهمية، فهي قائدة العالم الإسلامي ورمز وحدته ومصدر السلام والأمن فيه والشريك العادل والنزيه في حل القضايا الدولية المختلفة وشهدنا في زيارة الملك سلمان لماليزيا وإندونيسيا صورًا ومشاهد شعبية ورسمية عظيمة عبرت عن الحب الكبير لبلاد الحرمين وقيادتها واللحمة الواضحة مع السياسة الإسلامية التي تقودها المملكة في زمن ظهر فيه من المجتمعات الإسلامية من ينتهج سياسة التشتيت والفرقة الطائفية الدموية الإرهابية. وزاد الزيارة أهمية في كل محطاتها ما شهدته من توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية تركزت بشكل مباشر في قطاعي النفط والغاز.
وواضح من أجواء الزيارة أن آسيا تتطلع إلى خطط السعودية الاقتصادية وخطواتها نحو بيع حصة من عملاق النفط السعودي شركة أرامكو بما يعادل 5 في المائة في 2018 وفي طرح عام أولي، من المتوقع أن يكون الأكبر في العالم، وستكون بنوكًا مرتبطة بالصين الشعبية من بين من يقدم المشورة لهذا الطرح الضخم، وتبدي أهمية أخرى لهذا الحدث السياسي في تصريح الرئيس الإندونيسي «جوكو ويدودو» في مقابلة مع قناة العربية عن زيارة خادم الحرمين الشريفين لبلاده حين وصفها بالتاريخية، وقال: إن هذه الزيارة تأتي بعد 47 عامًا من زيارة المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز، «اليوم يقوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة إلى إندونيسيا، ونحن نأمل من زيارته التي في رفقته 10 وزراء وعدد من المسؤولين أن تتوطد العلاقة بين البلدين وتصبح أكثر قوة».
وهذا نموذج للعلاقة الحيوية بين المملكة والدول الشرق آسيوية، وما تحمل من مقومات التطور والنمو، والسر في أن جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حققت في بدايتها كثيرًا من المستقبليات ويتوقع في الجزء المتبقي منها النجاح بإذن الله واكتساح المستحيل الذي حول الأحجار إلى معادن وأصداف ومنتجٍ ذي قيمة عالية في عالم السياسة والاقتصاد والأمن والسلم الدولي.