د.عبدالله مناع
رغم رفض المبادرة العربية للسلام في عام 2002م لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.. التي تبنتها (المملكة) بجرأة وشجاعة في قمة بيروت العربية آنذاك.. من قبل (إسرائيل) وأمريكا (جورج بوش الابن)، وعلى الرغم من ولادة مشروع (حل الدولتين.. اللتين تعيشان جنبًا إلى جنب في سلام) أمريكيًا، الذي شكلت له (الأمم المتحدة) لجنة أممية رباعية: من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا.. لإنفاذه، الذي اعتمدته إدارة الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما) خلال دورتيه في البيت الأبيض.. لحل النزاع (الفلسطيني الإسرائيلي).. دون أن يستطيع إنجازه، رغم الجهود المكثفة التي بذلها آخر وزراء خارجيته (جون كيري)، وإلى أن جاء إلى البيت الأبيض الرئيس الأمريكي الجمهوري الجديد (دونالد ترامب) بـ(عواصف) تصريحاته ومواقفه.. التي أخذت تتسرب عنه تصريحات مفزعة حقًا بـ(أن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. لا يجب أن ينحصر في خيار حل الدولتين) وهو ما قد يعني بأن (حل الدولتين) لم يعد واردًا لديه.. ولكن دون تصريح عن البديل لذلك الخيار، بالرغم من أن حل الدولتين.. يكاد يكون في حقيقته ترجمة جغرافية أمريكية لـ(قرار التقسيم) ومشروعه عام 1947م، الذي أعطى المهاجرين (اليهود).. الذين قدموا إلى (فلسطين) من فجاج الأرض وشتى بقاع المعمورة، ومن يهود الولايات المتحدة وروسيا وشرق أوروبا.. (52 في المائة ) من أراضي فلسطين التاريخية، ليقيموا عليها من جمعياتهم وعصاباتهم دولة (إسرائيل) التي ولدت آنذاك.. بفضل الأموال الأمريكية التي اشترى بها الرئيس الأمريكي (هاري ترومان) أصوات ثلاث عشرة دولة من دول (المنظمة) الفقيرة والمعوزة.. حتى ينجح مشروع التقسيم الذي تبناه.. بينما أعطى مشروع التقسيم (47 في المائة) من أراضي فلسطين التاريخية لأصحابها الحقيقيين الذين عاشوا فيها آلاف السنين وعمروها وزرعوها وماتوا فوق أديمها ليضم ترابها بقاياهم.. بينما بقي الـ(1 في المائة) من أراضي فلسطين التاريخية، التي تضم المواقع الدينية.. لأصحاب الديانات الرئيسة الثلاثة: المسيحية والإسلام واليهودية.. تحت إدارة أممية.. حتى يتمكن أصحاب تلك الديانات من زيارتها والتعبد فيها وقتما يشاءون..!!
* * *
أقول.. رغم كل هذا التاريخ الطويل وأحداثه المتعددة وفواجعه المروعة عسكريًا وسياسيًا.. من أربعينيات القرن الماضي.. إلى عشرينيات القرن الحالي.. ومن (التقسيم) إلى (الاحتلال).. إلا أن الخلاف الإسلامي - القومي الفلسطيني ظل على ما هو عليه... منذ قدوم المبعوثين الذين أوفدهم مؤسس (الجماعة) في مصر حسن البنا عام 1935م إلى (فلسطين)، وتأسست في أعقاب زياراتهم (جمعية المكارم) في القدس عام 1943م.. وإلى أن أسس (سعيد رمضان) أول مكتب لـ(الإخوان) في القدس عام 1945م.. وإلى أن اقترح القيادي الفلسطيني القومي البارز (خليل الوزير) المعروف باسم (أبو جهاد) إنشاء منظمة (الحركة الوطنية لتحرير فلسطين «فتح») عام 1957م.. حيث عَرض على (إخوان فلسطين) الانضمام إليها، ولكنهم رفضوا ذلك.. (بل وعارضوها علنًا) وفضلوا البقاء على ولائهم لـ(الإخوان المسلمين) في مصر.
منذ تلك اللحظة بين عامي 58-1959م.. انقسمت الحركة الوطنية الفلسطينية - التي تحملت أعباء نكبة 1948م - إلى فصيلين: (القوميون) الذين يؤيدون فكرة الوزير و(فتح)، و(الإسلاميون) الذين فضلوا البقاء على ولائهم لـ(الإخوان المسلمين) في مصر، وإلى أن قامت عام 1965م.. (منظمة التحرير الفلسطينية) التي أنشأها الزعيم الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات) وضمت القوميين الفلسطينيين العرب من المسلمين والمسيحيين.. حيث عرض على الشيخ ياسين - الإسلامي المتشدد - المشاركة في إنشائها لتوحيد الكفاح المسلح ضد (إسرائيل).. فـ(رفض الانخراط في المشروع) كما يقول تاريخ (الإخوان) في فلسطين، وفضل البقاء في معسكر المحافظين المتحالفين مع الملك حسين.. والذين أخذوا يتلقون دعمًا سياسيًا واقتصاديًا فيما بعد من الإمارات الخليجية التي ستصبح دولاً مستقلة غنية.. بعد الانسحاب البريطاني من الخليج العربي في سبعينيات القرن الماضي، ليظهر خلال تلك الفترة الشيخ (أحمد ياسين).. الذي أنشأ (حماس) عام 1987م، الذي اتهم من قبل في إحدى محاولات اغتيال الرئيس عبدالناصر حيث ألقت المخابرات المصرية القبض عليه.. ولكن أفرج عنه بعد نكسة يونيه 1967م.. حيث سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة.. وكتب الباحثان الإسرائيليان (شاؤول ميشيل) و(إفرام سيلا) كتابهما عن (حماس الفلسطينية)، الذي سمح لـ(حماس) بإقامة أنشطتها الثقافية والاجتماعية.. بل وقيل آنذاك بأن إسرائيل لاحظت بأن (ياسين) والإخوان المسلمين حلفاء جيدون.. ضد حركة التحرير الفلسطينية!! إلا أن إسرائيل التي سربت هذه الأقاويل.. هي التي اغتالت الشيخ أحمد ياسين.. فيما بعد!!
* * *
فبعد فشل (مؤتمر مدريد) في أعقاب حرب تحرير الكويت.. وبروز اتفاقيات (أوسلو) عام 1993م بمراحلها الثلاث التي سمحت بعودة المبعدين الفلسطينيين.. إلى فلسطين، فإجراء الانتخابات الرئاسية فـ(التشريعية) في أعقاب انتهاء سنوات الحكم الذاتي الخمس، وفوز عرفات بـ(الرئاسة) الفلسطينية، وفوز (حماس) في الدورة التشريعية الفلسطينية الثانية.. بـ(الأغلبية) التي مكنتها من تشكيل أول حكومة (حمساوية) برئاسة (إسماعيل هنية).. إلا أن سقوط حكومة (هنية) أدى مجددًا إلى تكريس الانقسام الفلسطيني بين الجانبين على نحو أقرب ما يكون إلى الأسطورة والخرافة.. منه إلى (الحقيقة)، فقد أعيا هذا (الانقسام) الفلسطيني الذي امتد خمسة عشر عامًا.. كل العواصم العربية التي حاولت إنهاءه: من الرباط إلى طرابلس إلى القاهرة إلى بيروت إلى الرياض.. بل وإلى عاصمة الإسلام (مكة المكرمة).. عندما جمع الملك عبدالله بن عبدالعزيز الطرفين (فتح) و(حماس) في العشر الأواخر من شهر رمضان لـ(إنهاء) الانقسام وبدء صفحة جديدة بينهما.. حيث حلف الطرفان أغلظ الإيمان أمام باب الكعبة المشرفة على إنهائه.. ولكنهما سرعان ما عادا إليه بعد عودتهما إلى القطاع والضفة الغربية.. فماذا تريد (حماس).. من رفضها المستمر وممانعتها الدائمة لـ(المصالحة)؟ أتريد القضاء على فكرة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيه من عام 1967م.. انتظارًا لقيام (دولة الخلافة الإسلامية) المستحيلة، التي ستصبح فلسطين - أو البقية منها - إقليمًا من أقاليمها..؟ بعد أن انكشف المستور من أحلام (الإخوان المسلمين) في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيه المصرية التي أطاحت بـ(حكم) مرسي وبديع و(الجماعة)..!!
* * *
لقد كنت ممن يعتقدون.. بأن مجيء السياسي الفلسطيني (خالد المشعل) لإدارة المكتب السياسي لـ(حماس) - وهو السياسي وليس الدعوي - سيكون هو الفرج في إنهاء هذا الانقسام الذي وصفه بـ(المشؤوم)، وأن خلاصته (التنازل) عند مشاركته من (الدوحة) - على شبكات التواصل الاجتماعي - في اللقاء الذي دعا إليه (مركز الزيتون للدراسات والاستشارات) لتقويم مسار القضية الفلسطينية عام 2016م.. إلا أنه صدمني عندما أخذ يؤكد بـ(أن حركة «حماس» ستبقى جزءًا من الساحة الفلسطينية ومكونات القضية).. دون أن يعلن عن رأي ناصع في إنهاء (الانقسام).. لأنه بات يشكل تهديدًا على قيام الدولة الفلسطينية.. بل وأخذ يُعدد إنجازات (حماس) في المقاومة عبر كتائب القسام، مع الكثير من الانتقادات التي وجهها إلى السلطة الفلسطينية في (رام الله).. بينما كان (مؤتمر باريس) لدعم (حل الدولتين) يرتب أوراق التفاوض الجديدة بين إسرائيل والفلسطينيين، وتعلن (موسكو).. عن ترحيبها باستضافة تلك المفاوضات فوق أراضيها.
لقد خدع الوطن العربي طويلاً بـ(حماس).. ودورها في المقاومة، الذي كانت أضراره - في كثير من الحالات - أكبر من فوائده، ولم يعد لديه وقت لمزيد من الانتظار.. لـ(مصالحة) تبدو مستحيلة!!