د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما صدر الأمر السامي الكريم باستحداث الهيئة العامة للترفيه ضمن محمولات بلادنا الملأى بالمحفزات؛ كان الجميع يتساءل ما لونُها!!؟ ومن تعمق منهم في التساؤل وجاء بذبح عظيم تصوّر أنها سوف تشرق أنوارها بالهوية السعودية فحسب في كل منصاتها! وهناك من منع نفسه عن الكيل فسكت ظنا منه أن ذلك يوقع في «الخطل».
وشرعت الهيئة الوليدة في قيادة حراك نامٍ خلال أشهر معدودات، وأحسبُ ذلك أسلوباً إعلامياً فذاً حصيفاً لنشر المفهوم، ونثر توجهات الهيئة في المجتمع لتخترق أشعة الصباح نوافذها قبل استيقاظ الناس على التنظيم وأسواره الذي ربما لا يسقي حتى يصدر الرعاء!
ونعلم أن الترفيه منذ الأزل احتياج بدني ونفسي لتجديد النشاط، وحفز الروح على دفع العقل لعمارة الأرض قال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} (6) سورة النحل.
والترفيه منذ الأزل كان يصنع ذاته، وتستولده أحوال البشر ومواقعهم؛ فكل ما توجه له الناس آنذاك كان هدفه المشاهدة والاستماع، وقضاء أوقات من الدهشة والاستمتاع فهو حراك ترفيهي؛ حتى أن صحراءنا وفيرة المباهج ضمت صنوفا من الترفيه كالعزف على الربابة، وأصوات الحداء في مسيرة الإبل، ويذكر الأسلاف في معجمهم القصصي أن وادي عبقر كان مليئا بمعازف الجن التي يلتف حولها الشعراء الملهمون؛ ولكل مجتمع في بلادنا الشاسعة قطوف من الثقافة والفن لبسوها وتلبّسوا بها حتى ألفتهم وتربعت على منصاتهم وأصبحت من مفاخرهم الموروثة التي حملوها فوق الأعناق. والشاهد هنا أن صناعة الترفيه الذي اعتمدته بلادنا ضمن سياستها في قيادة التحول المجتمعي نحو الأمكنة الحضارية وجعلتْ منه كياناً واقعياً ليس بدعا في وجوده بيننا ولكنه حتما كان يحتاج إلى أنظمة وسياسات ترسم له رؤية واضحة تضمن له الاستدامة والنجاح وتفيض عليه من الصنوف الأخرى، وأجزمُ أن الانطلاقات الفوارة للهيئة الفتية لابد لها من ممكنات بيئية حامية تحفظ استقرار برامجه، وعلو مقوماته، وتكريس ذلك بتأسيس حواضن داعمة تؤسس لقواعد متينة ينطلق منها تلمس الروافد في أوعيتنا الفنية والفلكلورية والثقافية لتجعلها نابضة بالحياة ومن ذلك إحياء الأسواق القديمة والمراكز الحضارية وإشعالها بالفنون والآداب بأشكالها لتكون ملاذا لكل فئات المجتمع والباحثين عن الأوقات الماتعة في كل المراحل العمرية؛ الشيوخ لهم طقوسهم الترفيهية، والشباب في العدوة القصوى من متطلبات ذلك الاستيقاظ الجديد، واليافعين والأطفال لهم نسيج مختلف لا يمكن أن يلبسه غيرهم، وهكذا،، وحتما كان هناك في قديمنا الترفيهي الجميل من حمل الشعلة وأوقدها كلما سنحت له فرصة حتى وإن فقدوا حواضنا لتنمية تلك المهارات القافزة؛ إلا أنهم رفدوا واقعهم بشيء من الفن الخالد.
ونأمل من هيئة الترفيه أن تجعل العالم يأتي ليرى بديع فنوننا وتراثنا المسموع، ورواقنا المغدق من ذلك كله؛ وعسى أن تكون هيئة الترفيه منبرا يجعلنا نخاطب العالم من خلاله بمقدراتنا وموروثنا العريق ومواقفنا الفوارة عطاء؛ فثمة محركات مختلفة في بلادنا الغالية تدفع بالفنون والثقافات والإبداع الفني بأشكاله إلى النهوض واستدامة الفنون واستثمار منابعها في صناعة السرور والبهجة.
نعم لقد جاءت الهيئة العامة للترفيه لتصنع ممكنات الترفيه وفق احتياجات العقل والوجدان البشري، فلعل واقع الهيئة الممتلئ حماسا يطرح استفتاء عبر حراكنا الرقمي الذي دَنا وتدلى! لاستكتاب الناس عما يريدون ويرونه مناسبا ومن ثم بناء استراتيجيتها بما يحقق التوازن في متطلبات فئات المجتمع، وبما يجعل للترفيه قيمة وثمنا عندما يصبح سلعة يتهافتُ إليها الناس؛ بمعنى أن يكون هناك استراتيجية تشارك مع جميع منصات الترفيه الموجودة مسبقا في المجتمع وتكون معلنة تشمل التخطيط والتوجيه؛ فالهيئة الواعدة مشرعة ولها مهمة رقابية وثيقة الصِّلة بالتشريع؛ ومن منظوري الخاص ليت أن هيئة الترفيه تبتعد وتتوارى عن أدوار التشغيل والإدارة المباشرة للحراك الترفيهي وتركز على التشريع الدقيق والمراقبة حتى لا تنزلق أدوارها وتضل الطريق وهي مازالت وليدة فتية، وختاما فإن من القواعد الرئيسة لصناعة الترفيه الاحتفاء بالمعرفة في ذلك الجانب التحفيزي المجتمعي واستحداث حواضن لتقديم مسارات معرفية داعمة في ذلك الإطار لجميع القوى البشرية التي تعمل في مجالات الترفيه وتشكيل صفوف العاملين من المواطنين لخدمة ذلك القطاع؛ وربما كان استحداث مسارات في الجامعات لذلك الشأن أمرا جديرا بالبحث.