د. حمزة السالم
غالباً ما تتصدر المعلومات عن الناتج المحلي لبلادنا بالنمو الفعلي أو الحقيقي أو الثابت لا الإسمي أو الجاري. ولهذا نرى نمواً إيجابياً. وبما أن الناتج المحلي هو الدخل الوطني. والدخل قد تناقص تناقصاً شديداً بسبب النفط، فقد تناول البعض هذه المعلومة الإحصائية، باجتهادات تفسيرية متنوعة وباستغراب.
وشرح هذا التناقض هو أننا اتبعنا العرف العالمي في إبراز النمو للناتج المحلي بالأسعار الثابتة. والذي يُسمى أحياناً بالنمو الحقيقي أو الفعلي. ولكن وباعتبار اقتصادنا النفطي، فإن إبراز النمو للناتج المحلي بالأسعار الثابتة يعتبر معلومة ناقصة. فإذا ما أضفنا لذلك استخدام لفظة «النمو الحقيقي»، فإن هذا سيعتبر نقصاً يخُل بالحقيقة.
فالذي أبرزناه كنمو حقيقي ايجابي بمقدار 3.5% لناتجنا المحلي لعام 2015، مثلاً، هو في حقيقته نمو في زيادة إنتاج ضخ النفط، وبعبارة أخرى زيادة في استهلاك النفط. فهو حقيقة يعتبر نقصاً لا زيادة.
وباعتبار اقتصادنا النفطي، فإن إبراز النمو الفعلي في نظري يعتبر معلومة ناقصة، نقصاً يخُل بالحقيقة. فالنمو الحقيقي الإيجابي الذي تقتصر الجهات المختلفة، من القطاع الخاص أو العام أو الإعلام، على إيراده غالباً، هو في حقيقته زيادة إنتاج ضخ النفط، وبعبارة أخرى زيادة استهلاك النفط. فهو نقص لا زيادة.
ولهذا فأنا أعتقد، أنه من الأحرى استخدام تعبير «الأسعار الثابتة» بدلاً من تعبير «النمو الحقيقي» مع عدم إغفال اقتران ذلك بالتنويه بأن النمو بالأسعار الجارية كان سلبياً بنسبة 14.3%. وهذا وإن كان قد لا يؤدي لتوصيل المعلومة الصحيحة للمستمع، بل معلومة مشوشة، لكنه على الأقل يمنع من توصيل المعلومة الخاطئة فيُشكك البعض في المعلومات الرسمية.
غرض الناتج المحلي هو قياس القوة الاقتصادية للدولة، كمجموعة العشرين مثلاً. وبه يقاس مستوى ثراء الدول إذا قُسم على عدد السكان. وأما النمو في الناتج المحلي فهو مقياس لتطور الإنتاجية وتقدم البلاد. ولهذا فوسيلة قياس الناتج المحلي هو الإنتاج لا قيمة الإنتاج. فنمو الإنتاج هو تقدم وزيادة ثروة، إلا في حالة أن يكون الإنتاج مورداً ناضباً كالنفط. فبناء المصافي واكتشاف الآبار وتجهيزها، هذا يعتبر نمواً حقيقياً. أما مجرد زيادة ضخ الإنتاج النفطي فهو في الواقع استهلاك للثروة لا زيادة لها. ولهذا فاقتصاديات النفط لها اعتباريات خاصة، لم تُعتبر عندنا هنا.
فغرض علم الاقتصاد هو الإنتاج الحقيقي لا النقود. فالنقود لا تؤكل ولا تُشرب ولا تُركب، فلا قيمة لها في ذاتها إنما هي مجرد اسم نسمي به الشيء، فتسمي حصانك بالبراق ويسمي غيرك ابنه بالبراق، فالاسم لا حقيقة له في ذاته إنما فيما يدل عليه.
والناتج المحلي هو مجموع ما ينتجه إقليم، أو بلد ما، من سلع وخدمات. فهو مقياس لقياس الإنتاج الحقيقي بغض النظر عن القيمة النقدية لهذا الإنتاج. فعندما يُنتج المزارع طنين من القمح لهذا العام مقابل انتاجه طن واحد فقط من القمح العام الماضي، فالنمو الحقيقي لإنتاج هذا المزارع لهذا العام هو نمو إيجابي بنسبة 100%.
ولكن إذا لم نعزل القيمة النقدية عن الإنتاج فإننا لن نحصل على مقياس حقيقي دقيق لإنتاج المزارع. فمثلاً، لو كانت الأحوال غير اعتيادية فانخفضت أسعار القمح هذا العام فأصبح سعر طن القمح لهذا العام هو دولار واحد وقد كان سعره العام الماضي أربعة دولارات، فسيكون قيمة إنتاجه الحالي دولارين مقابل أربعة دولارات قيمة انتاج العام الماضي. فيكون نمو الإنتاج لمزرعة القمح هذه السنة بالأسعار الجارية - الحالية- هو نمو سلبي بمقدار 100%، رغم أن المزارع قد ضاعف كمية الإنتاج.
فإن كان علماء الاقتصاد المتطور قد أدركوا هذه الإشكالية في اقتصاديات بلادهم، فحلوها باستخدام الأسعار الثابتة، فالأحرى بنا أن نحل إشكاليات اقتصادنا بمراعاة الفروق بيننا وبينهم لا بمجرد التقليد المحض فنقع فيما فروا منه. فهم فروا من تضليل المعلومات ونحن وقعنا فيه.
والخلاصة، أننا نقف هنا لنشهد شاهداً آخر من شواهد الفروق الواسعة بين اقتصادنا واقتصاديات العالم. فالذي يمثل الحقيقة عندهم ليس بالضرورة أن يمثل الحقيقة عندنا، بل قد يمثل العكس. فالنقص لا الزيادة هو حقيقة النمو الحقيقي في ناتجنا المحلي لعام 2015، مثلاً لا كما يُروج غالباً من الجهات المختلفة.