د. خيرية السقاف
كما جرت العادة ..
هناك يوم عالمي لمكافحة الفساد,
مع أن من الفطرة أن تستهجن النفس الفسادَ ما كان, ومتى كان!!
غير أن الناس تأخذ فيه ركضا ليضع كلٌ جملة في خانته!! ..
استنكارا, مقترحا, رفضا, خيبة, مناشدة..
وبالفطرة أمنيات تتدفق!!
حتى المفسد منهم يدعي وصلا بالمكافحين الفسادَ!!
فيمشي في معية الكوكبة يطبل للنزاهة!!
وهو معشِّش, معرِّش, متوالد!!..
يمرح في الأيام كلها, يتمطى, يتسلل, يغور, ينبسط, يقهقه, يضع قدما على قدم ,
بيده المفاتيح يلهو بها حلقات في الهواء..!!
أوليس المفسدون قد أخذوا الطرقات فآووها إلى ممتلكاتهم, أشفقوا عليها من غبار الطريق, ودك دواليب العربات, ومرور الأقدام وصفع الريح, وسيل المطر؟!
أوليس المفسدون يتسيدون خانات الأرقام في قوائم المال, فتتحيز لهم الإشارات, والمسالك؟!
ينشئون ما شاؤوا وينقضون ما يريدون, ويهربون من العدالة حينما ينكشفون.؟
أوليسوا في الطرقات المهزومة بالمطر, وفي الأنقاض المهزومة بالغش, وفي الأمراض المبثوثة بالعبث؟
وفي التقصير, والإخلال, والسطو, والهدر, والإسراف, والتمادي, واللامبالاة؟!!
مع أن كلٌاً يعتلي سقف الراغبين في القضاء عليه في العبارة, والكناية, والمشافهة, والتسابق!..
ونبقى على يقين من أن الفساد أقوى من عصيانهم عليه, أولئك المُفْـرِطون في كفاحه بالأماني فقط!!...
ويكبر اليقين بأن يوما واحدا عنه, يذر فيه الرماد من أجله في العيون لا يكفي عن أيام في مكافحته, بغيرها ..
فالضمائر حين تصك عليها حلقة العقاب, لن يغنيها نومها, وإن هربت أقدامٌ تحملها لحيث تنزوي, ذلك لأن مقصلة قد أقيمت, ووعيا قد ساد, ومقبضَ الحق قد اعتلى..
كل الأيام بعد شروق الشمس, ونزول الوعي في الزوايا, والأركان, ومنابت الشجر,
ورواء الفسائل, وردم المدافن, بشحذ العصا, وإماطة اللثم عن المفسدين
تبشر بوأد نُطَفِه هذا الكائن الفساد,
بإبادة وبائه, وغروب شمسه..
وكما جرت العادة, لا ينبت الحنظل إلا في الأحراش..
وإن هي الطبيعة تقر بوجود الأحراش, والحشائش, والطحالب, لكنها على أية حال في واقع العمل لا الأماني تنحصر في مواقعها, وتعرف دون جهد, ويستدل عليها بذاتها..
وكذا الفساد في ضوء العمل الجاد الجمعي سينحصر في مكانه الذي يستدل عليه بلا عناء!!.