نادية السالمي
تُكثر الحديث عن الحب فهل تؤمن بالحب؟!
لا.. إنما بالحديث إيماني.
هذا أصدق، وأقصر حوار تتضح من خلاله كثافة الحقيقة، حقيقة ما نرى وما نسمع في غالب الشاشات المختلفة في انتمائها، والقصائد والروايات - على اختلاف جنسياتها - التي اكتسبت رونقها من قداسة الحب. أغلب هؤلاء البشر الذين نراهم.. يعتقدون أنهم آمنوا بالحب، لكنهم في حقيقة الأمر يتوهمون هذا عن عمد وإصرار إرضاء لفطرتهم المنسية، وحاجتهم الإنسانية، وإزاء وخز ما تبقى من ضمير أحيوا يوم 14 فبراير ليتضامنوا مع قلوبهم التي أهملوها ومع الحب الذي ظلموه. فيا كل دعاة الحب: الحب الحقيقي غائب عنا، أو هو نادر حدوثه، كأنه معجزة بحاجة إلى عظماء يلتقطونها، ومن ثم ينشرونها في أصقاع المعمورة. ومن هنا حتى يحدث هذا أحذركم؛ فهذا العالم موبوء بكائن يشبه الحب، يراود الناس على قلوبهم، فلا يغرّنكم بريقه.
صورة الحب في المجتمعات المتخبطة:
في المجتمعات التي تخاف من الحب عليك أن تخشى من الضحك فسيسلك بك إلى وفاتك لا محالة، لكثرة ما ترى من تناقضات وعجائب، فالزواج حصن للمجتمع، لكن الزواج بدافع الحب جريرة، رفضها واجب على ولي الأمر. وكل حب في هذه المجتمعات يدعو للريبة؛ فحب الليل والسهر شبهة، وآفة محتجبة خلف هذا الادعاء؛ لهذا هي تطلب من الله السلامة كلما جثم للحب شبح. وأبناء هذه المجتمعات لا يغرنّك ركضهم، ضحكهم وتنفّسهم.. هؤلاء ماتوا مذ قرر نيابة عنهم أصحاب قرارهم بأن الحب في عرفهم مرفوض، فكفروا به، وبه تلاعبوا.
فكيف ستقنع هؤلاء ومن يلونهم بأن المال والشهرة وكل مباهج الحياة ليست فرصًا حقيقية، إنما الحب على مدار العمر هو الفرصة الحقيقية، وبدون مبدأ وحصانة قد يموت؟!
صورة من حياة الحب في أوراق الكتّاب والشعراء:
المشاعر هي العروة الوثقى التي تُشعر المرء بأنه على قيد الحياة. وطريقة تعاطي الناس مع هذه المشاعر هي زينة الحياة؛ وأكبر دليلٍ على هذا رواج القصائد والروايات العاطفيّة، أي أن الإنسان يعيش لاهثًا وراء العاطفة التي ينبغي أن لا تُستغل من جانب الكاتب والشاعر.. والحب الصادق في هذه الحياة هو الكائن الوحيد القادر على التصفيق بيدٍ واحدةٍ، أي أن باستطاعته النماء والعطاء مهما عرقلته الظروف على عكس ما تُظهره بعض الروايات والقصائد؛ ففيها يبدو الحب خاليًا من كل قيمة حتى قيمة الحب نفسه، ويبدو كاتبها وكأنه يعاني من إعاقة أدبيّة موغلة في التخلف الفكري؛ فهو لا يعرف من الحب إلّا الوهج واندفاع التجربة. والمتابع يجب أن لا يخفى عليه هذا النهج في التحالف مع الانحطاط ضد القيم الإنسانية. فمخترع القول الشائع «الحب أنانية» كاتب يتلاعب بعلاقته مع الحروف، لم يجد ما يفسر تشوّه الحب في تعاملاته؛ فاخترع هذا الشعار. ورأيت في الشعر «الشعبي» الشتائم والكلمات النابية هي المقياس الحقيقي للحب عند بعض الشعراء. والشاعر الذي لا يُجيد هذا يركن إلى الضعف، حتى أن أحد الشعراء اتخذ هذا نهجًا في قصيدته التي يبدؤها بمغازلة المحبوبة بالكلام المعسول، ثم يوسعها ضربًا بالشتائم. وهذا السلوك لا يُبرر أبدًا إلّا بالإعاقة والتخلّف عن الفطرة السليمة.. حتى انتهاء عمر الحب يا هذا لا يبرر الشتيمة أبدًا؛ فأقل واجبٍ نقدمه لقلوبنا أن لا نرجم من كان يسكنها بالحجارة بعد أن كان يُرجم بالورد.
أمثال هؤلاء الشعراء والكتّاب اتخذوا الحب صفقة أدبية، متى ما تمت وانتهت المصلحة كفر بالحب وبأطرافه؛ لهذا دومًا وأبدًا خذ الحب من أقبية الإنسان إن وجد، لا من أضواء الكتّاب والشعراء.