د. سلطان سعد القحطاني
لا شك أن الصحافة منذ أن أسست في العالم كانت إخبارية أدبية في بدايتها، لكنها اتخذت بجانب نشر الخبر مسار التنوير، وذلك لما تنشره من مقالات تنويرية لكل جديد ومفيد لإطلاع المتلقي على كل جديد بدور في العالم ليتخذ إلى ذلك سبيلا، وتعرض كثير من رموزها للتعذيب والطرد، وضحى كثير منهم بمستقبله في سبيل إيمانه برسالته وعدم التراجع عن مبادئه، وسبق بعضهم الزمن الذي كان يعيشه، ولم يكن تحقيق ذلك مستحيلاً، لكن جانب الظلام غطى على جانب النور، وكان أقوى منه عدداً، وأقل منه علماً، ولكن ذلك ما حصل بالفعل، فكانت مقالات محمد حسن عواد في صحيفة القبلة الهاشمية وصوت الحجاز السعودية مثار جدل لدى قليلي البضائع العلمية، وانفتاح المجتمع على الحضارات التي ظهرت بوادرها وغيرت وجه التاريخ بعد الحرب العالمية الأولى، وما كان خيالاً أصبح من صلب الحقيقة فيما بعد، فمن كان يصدق (من الجانب المضاد) الذي لا يرى أبعد من إبهام قدمه، أن سيدة ستكون رئيسة مجلس إدارة إحدى الشركات الكبرى في الحجاز؟.
كانت هذه قصة خيالية كتبها محمد حسن عواد، فعوقب عليها وعلى كتابه (خواطر مصرحة)، ولو لم تكن هناك صحيفة تنشر مثل هذه المقالات لما وصلت هذه القصة الخيالية التي كانت في ذلك وألقت ضرباً من الخيال عند بعض المتلقين، لكن العواد كان يبني هذا الاستشراف على معطيات تاريخية حقيقية، ألم تكن السيدة خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- من أكبر سيدات الأعمال، وعمل الرسول ( ص) في تجارتها!!!!، لم يكن ذلك مستحيلا، فالعقل البشري واحد، والمشكلة تكمن في العقلية البشرية التي تدير الأمور(19) ولم يزل كل متنور يذكر مقالات عبد الكريم الجهيمان وقصائد عبد الله ابن خميس، حول تعليم المرأة، كلما رأى طبيبة أو أستاذة متعلمة، كان عام 1926 عام تحول صاعق في الثقافة في الحجاز، وذلك بصدور كتاب محمد حسن عواد (خواطر مصرحة) تلك الخواطر التي كان قد نشرها في صحيفة القبلة من قبل، كما أشرت فيما سلف، حيث وقف عدد من العقول المتحجرة لهذا الكتاب، وفصل المعلم محمد حسن عواد من عمله مدرساً في مدارس الفلاح في جدة، بل عوقب أحد طلابه،وهو الأديب المعروف والمؤرخ الأدبي،محمد علي مغربي عندما وجد وكيل المدرسة الشيخ عمر حفني الكتاب في يده، وهذا دليل قاطع على أن العقليات لم تتطور ولم تتنور لتقبل الحوار مع الآخر وتناقشه فيما يأتي به من جديد. ولولا مغامرات الكتاب ونشر ما يرون أنه مفيد لمجتمعهم الذي يتوق بعض أفراده للتقدم والرقي والابتعاد عن الدجل والخرافات، واللعب بعقول البسطاء والعامة، وحجب التفكير عن عقولهم، وتسييرهم خلف الأوهام والأباطيل لما تم لهذه البلاد أن تكون من أوائل البلاد العربية تقدماً،فالله يأبى أن يطفأ نوره، فيبعث رجالا نذروا انفسهم لإصلاح للدولة الهاشمية،لكن نجمها قد أفل،فأصبحت أم القرى الصحيفة الرسمية للدولة السعودية، هكذا تم الأمر بعد أن استقر الوضع للدولة قبل المسمى الرسمي الحالي، وقد أشرت إلى شيء من هذا في المقالات السابقة، وسنكمل الحديث عنه في المقالات اللاحقة.