د. إبراهيم بن محمد الشتوي
حين نفهم أن السياحة تعني بصورة من الصور «تسليع الذات» بمعنى جعلها جاهزة للبيع، من هنا، فهي تقدم صورة لا أقول مفبركة عن المكان المساح فيه، ولكن صناعية، فالسائح يأتي إلى مكان ما ليجلس عدة أيام أحيانا لا تتجاوز عدد أيام اليد الواحدة، ويريد أن يأخذ صورة صحيحة عنه، ومن هنا تأتي المتاحف، والقرى السياحية، والعروضات لتلخص المكان، ولتعطيه صورة سريعة عنه، وعن تاريخه، وتمثل القطع المبيعة «التذكارات» صورة مصغرة عن القطع الأصلية التي قد قطع الفيافي -إن صح التعبير- والقفار لأجل أن يراها، فيأخذ منها نسخا يحتفظ بها، فيأخذ صورة مجسمة للكعبة، أو للمسجد النبوي الشريف، أو الأهرامات، أو إحدى مسلات الفراعنة أو كبينة لندن الحمراء المشهورة، أو نموذج مصغر عن برج إيفل.
هذا ما أنتج ما يمكن أن يسمى بالمنتج «السياحي»، وهو منتج في الأصل معد للسياح لأجل أن يأخذوه معهم، لأجل أن يسكنوا به، أو أن يزوروه، ويأكلوا فيه، وهنا يأتي السؤال: ما معنى وصف الشيء بأنه «سياحي»، هل هو وصف يدل على جودة المنتج أم رداءته؟
نحن نجد أن الخطوط العربية تسمي Economy class درجة سياحية، وهي أدنى الدرجات الموجودة في الطائرة مما يعني أنها لا تترك انطباعا جيدا لدى السامع، في موازاة الدرجة الذهبية، والأولى، ودرجة رجال الأعمال.
مما يعني أن المنتج السياحي غير جيد فهو شيء يكفي الحاجة، أو لا يكفي الحاجة، وكذلك تطلق هذه الكلمة على كل شيء «سياحي» يعني درجة ثانية أو ثالثة، وربما هذه مأخوذة من مفهوم «السائح» الذي يريد أن يوفر في رحلته أكبر مما يمكن، وأن يسافر ويجوب العالم بأقل المصاريف، ويسمون جماعة «الباك باكج»، وهم الذين يحملون حقائب كبيرة على ظهورهم، وفيها كل ما يحتاجون، ويسكنون في الأماكن الرخيصة والمزدحمة التي تهيء لهم المبيت، ثم يرحلون في الصباح إلى شأنهم، جماعات أو فرادى.
ويتصل بهذا المفهوم للسياحة مفهوم «بي بي» وهو اختصار «بد أند بريك فاست»، (فراش وفطور)، وعادة تكون نزلا رخيصا لا يحتوي إلا على أساسيات المعيشة يقضي فيه النازل ساعات المساء المتأخرة ويتناول فطورا مكونا من قطع التوست والزبدة مع الكورن فليكس وكوب شاي أو قهوة.
في مقابل ذلك نجد أن المكان السياحي هو مكان معد سلفا لاستقبال السياح، بحيث يجدون فيه راحتهم، ومتعتهم، ولذا توفر فيه كل المتع التي يبحث عنها السائح، والوسائل التي تهيئ له الراحة، وهذا ما يجعل المكان السياحي متميزا عن سواه، سواء كان بتصميمه المعماري، أو بأنظمته، وقوانينه، أو بالقاطنين فيه، فنحن نجد كثيرا من هذه الأماكن تجمع بين الانفتاح على كل الأمكنة باعتبارها تضم عددا من الثقافات، والأعراق، والألوان، والعادات، ولا يعيب أحد في هذا المكان على أحد الذي يتسع للجميع، ولذا فإن الساكنين المحليين في هذا المكان قليل، فجلهم من العاملين الذين قد اعتادوا على ما يرون، وأصبحوا يفهمون هذا التنوع الثقافي والإنساني، ثم إن التصميم المعماري يعكس الثقافة المحلية، ولأن هذا المكان مكان قد أعد للسائحين بكل ما فيه من أنظمة، وموظفين، وأسلوب حياة، ومعمار، فإن العمل متوقف عليهم، ومن هنا فإن الأسعار تأخذ فيه بعدا آخر، فغالب العاملين فيه لا يعملون في مكان آخر سواه، وهذه المباني، والمصروفات المبذولة فيه لا يمكن استثمارها في أوقات أخرى من السنة، ومن هنا، فإن الأسعار تكون فيه ذات طابع خاص، تتناسب مع المكان السياحي، وهذا عامل طارد للسكان المحليين الذي لا يرغبون في أن يدفعوا هذه الأسعار وهم قادرون على أن يحصلوا على نفس المنتج بأسعار أقل في مكان قريب، ربما لا يبعد عن هذا المكان سوى بضعة أمتار، بالإضافة إلى أن الحالة التي يعيشها المكان السياحي من الانفتاح، والتنوع، جعلته مكانا خاصا في قيمه، مخالفا لقيم المجتمع المضيف، وهو ما يمثل نوعا من الخطر على الحالين فيه من السياح، مما يستدعي مستوى عاليا من الحراسة الأمنية المشددة، ويتطلب الدخول إليه تصاريح دخول.
الأمر الذي يزيد من خصوصية المكان السياحي، كونه قلعة مغلقة بعيدة عن السكان المحليين، غير قادرين على الدخول إليه ومعرفة أسراره وما يدور فيه، ولو دخلوا لما تمكنوا من الاستفادة مما فيه من منافع، ومميزات نظرا لارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على التواصل مع من فيه من السياح لعامل اللغة، أو اختلاف الثقافة، مما يجعلهم يتحولون إلى مشاهدين يعيشون على الهامش مما يجعل الدخول لا معنى له بالنسبة لهم. هذا الانغلاق في المكان السياحي يفتح مخيلة السكان المحليين عنه بوصفه مكانا للملذات، والمتع والحياة الرغدة السعيدة، فهو بمثابة الفردوس المفقود، أو أنه مكان للفسق والعهر، والفجور، ومعاقرة كل ما حرم الله، حيث التحلل من القيم والمبادئ والأخلاق، وهي تصورات تتسع دائرتها مع الزمن، مع اتساع دائرة الجهل بمحتوى هذا المكان، وموضوعاته العلمية التي أسس عليها.